لم تغفل الحركة النسويّة، في عُشْر السبعين 1970، أمومة النساء إغفالاً تاماً. ولكن الكاتبات المثقّفات اللواتي تناولن الأمومة تكلّمن على جمال الحمل والوضع. وما وجدته أنا جميلاً، حقيقة، ومعجزاً هو اللقاء بالكائن الصغير الذي يجهر، منذ ساعاته الأولى، إنسيته. ودعاني هذا إلى مخالفة سيمون دو بوفوار التي ذهبت، في كتابها"الجنس الآخر"، إلى أنّ الأمومة يحجز بين المرأة وبين إنجازها تمام مثال التسامي الإنساني. فعلاقة الأمّ الوالدة بولدها موسومة بالفهم والذكاء. وعلى هذا، فهي ليست علاقة حيوانيّة، ولا تنفك من التسامي على حيوانيّتها. ولم تغفل سيمون دو بوفوار عن الأمر، فكتبت:"لا يسع المرأة رعاية الحياة ما لم تنطوِ الحياة على معنى... وما لم تضطلع هي بدور في الحملة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية". وكان يقيني قوياً، في العقدين السابع والثامن، بأنّ الأمومة ركن جوهري من أركان الهويّة الأنثويّة. وخوّلني عملي التأريخي، إلى تجربتي ومشاعري، التنبّه إلى أنّ الأمومة لا تقتصر على نشوة نرجسيّة، ولا على تمام شخصي وفردي. فهي حقيقة اجتماعيّة تنفرد بها المرأة. وإغفالها أو تجاهُلها يؤدّي إلى إغفال نصف وقائع الأمومة. وأحسب أنّ على الحركة النسويّة أن تتدبّر الأمومة تدبّراً جديداً، وما تنشده تعطاه بقية". والحق أنّ ما يترتّب على الفرق الجوهري هذا هو ما يميّز المرأة من الرجل، أو الأمّ من الأب. فمن اليسير، نسبياً، على الأب الوالد أن يرعى ولده، ويأخذ بيده إلى حين بلوغه رجولته. فكلاهما يتقاسمه"أنا"تخصّه، ولا متعلّق لهما بغيرهما. ولكن ما بين الأمّ الوالدة وابنتها يتعدّى الاثنتين. فالمرأة تنقل إلى ابنتها أمراً يعود إلى الجنس البشري، وتوالده ودوامه. وعليها أن"تخبر"ابنتها، أي أن تنشّئها على وجه يُفهمها أن جسدها كله، بقضه وقضيضه، منخرط في ولادة الحياة وتناسل البشر. ويتّصل هذا بالمقدّس، ويعصى العلمنة التامة. وما يدركه الأطباء من التناسل والحمل والوضع، على وضوحه وجلائه، لا يبدّد حمل الولادة الإنسية على الحادثة الجلل والعظيمة، وعلى المقدّس تالياً. ويصيب الأمّ الوالدة من هذا شيء كثير. والحق أنني، أنا الأمّ، أقصر عن قول ما يدعوني إلى الأمومة ويحملني على طلبها، وعليها، قولاً جلياً. فلا يُتناقل هذا إلاّ من طريق المثال. والمثال هذا يبدو، اليوم، أضعف بداهة من قبل، وأقلّ تلقائيّة. ولا شك في أنّ إقرار القانون بحرّية الحمل فالوضع والولادة، أمر حاسم. ولكنها حرّية حقوقيّة وقانونيّة، وتبقى صوريّة أو شكليّة إذا لم تصدر عن رأي المرأة واختيارها. فعلى سبيل المثال، سنَّت هولندا قانون إجهاض لا يضاهي ليبراليّته قانون آخر. ولكن متوسّط الإجهاض بهولندا هو الأدنى بين سائر البلدان. وهذا قرينة على أن الحريّتين، الحرّية الحقوقيّة والحرّية النفسيّة، لما تتنافيان ولا تتدافعان. وما أرجوه وأتمنّاه هو أن تفهم النسويات نصيرات الحركة النسويّة، ويفهم النسويّون، إلحاح مساعدة المرأة على ألا تنجب إذا لم ترغب في الإنجاب، وإلحاح مساعدتها، من وجه آخر، على الإنجاب إذا هي رغبت فيه. ولا تقتصر المساعدة هذه على تقاسم الأعمال المنزليّة، على ما توهَّم كُثُر. فتقليص اعتناء المرأة بالولد، وشؤون البيت، تستشعره كثيرات منهن حرماناً. وربما على الجيل الفتي الخروج من الحلقة المفرغة هذه. ولعلّ بلوغ أمّ أنجبت أربعة أولاد السيدة سيغولين رويال، ولم تكتم يوماً حظوة الأمومة باهتمامها، لعل بلوغها مرحلة المنافسة الفعليّة على رئاسة الجمهوريّة، علامة على تغيّر الذهنيّة العامّة في هذا الشأن. عن إيفون كنيبييلير مؤرخة،"لوموند"الفرنسية 9 / 2 / 2007