يشكّل التعاطي اللبناني مع مسألة اللاجئين العراقيين نموذجاً فريداً، في بلد قادر على امتصاص أي شيء، بصرف النظر عن هشاشته الأمنية. ورغم تقرير منظمة"هيومان رايتس ووتش"الأخير الذي انتقد"فشل"السلطات اللبنانية في إضفاء طابع قانوني على وضع اللاجئين العراقيين، دخل هؤلاء في لعبة الفسيفساء اللبنانية، ووجد كلّ ملجأً وسط"أبناء ملّته"، بشهادة الممثل الإقليمي للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة ستيفان جاكمي. تشكل فاطمة الخمسينية القادمة من البصرة خير نموذج. تقول هذه الناجية من التعذيب، والتي دخلت لبنان خلسة عبر الحدود السورية ومعها أولادها الخمسة:"نقيم في حيّ السلم الشعبي في الضاحية الجنوبية لبيروت، وسط أبناء الطائفة، وفضلت أن أنقل أبنائي إلى هنا، حيث المعتقدات الدينية واحدة، والبعد عن العناصر الأمنية". لكن هذا"الذوبان"لم يتحقق من دون مسايرة الوضع. تضيف فاطمة:"أرغمت بناتي الثلاث على ارتداء الحجاب، كي لا يبدونّ غريبات"، لكنها تقرّ بأن تشددها معهن"سبب لهن مشكلات نفسية"... وتعمل المفوضية العليا للاجئين مع مراكز للتأهيل، خصوصا مركز"ريستارت"للتخفيف من المضاعفات النفسية والاجتماعية عن هؤلاء اللاجئين. وتتساءل مديرة المركز سوزان جبور:"كيف يمكن لمركز يعنى بالتأهيل النفسي ان يساعد لاجئاً يحتاج أوراقاً ثبوتية وطعاماً ومالاً؟... فهو في حاجة إلى من يستمع اليه حتى يتجاوز محنته، ويساعده على تجاوز الصدمة المجتمعية في بيئة مغايرة لبيئته". وتفيد إحصاءات المفوضية العليا للاجئين، ان العدد الإجمالي للعراقيين في لبنان يقدر بنحو 50 ألفاً، بينهم 8476 مسجلين لدى مكتب المفوضية في بيروت حتى 3 تشرين الأول أكتوبر الماضي. ويؤكد ممثل المفوضية الإقليمي جاكمي أن"50 في المئة منهم شيعة، وال50 في المئة الباقين نصفهم سني والنصف الآخر من المسيحيين، لا سيما من الكلدانيين والآشوريين"، ورصدت لمساعدتهم موازنة بقيمة 3.8 مليون دولار. ويضيف بدهشة:"كل وجد الراحة وسط طائفته وقرب كنيسته أو إمام مسجده الذي يساعده على تدبر أموره، وهذا نموذج فريد لا مثيل له في العالم". ويلفت إلى أن"كثيرين من اللبنانيين يتدخلون لحمايتهم إما وفقاً لانتماءات طائفية وإما لارتباطات أخرى". ولبنان ليس دولة طرفاً في اتفاق 1951 للاجئين، ولا يعتبر اعتراف المفوضية باللاجئين العراقيين نافذاً تبعاً للقانون اللبناني. وفي هذا الإطار، يقول جاكمي:"في السجون اللبنانية نحو 850 لاجئاً عراقياً غير شرعي، بينهم نحو 300 ترفض اي دولة استقبالهم. نتدخل مباشرة ونحاول ان نوفر لهم اوراقاً لتشريع إقامتهم، او نتدخل عبر مؤسسة كاريتاس، فيما نبحث لآخرين عن دول تستضيفهم. عندها فقط يطلق سراحهم". ويشدد جاكمي على"مرونة"الأمن العام وقوى الأمن الداخلي في لبنان:"تبدي السلطات اللبنانية إرادة للمناقشة وانفتاحاً ولكن عند التطبيق تصطدم بحاجز الأمن". ويضيف:"لا يمكننا أن نطلب من السلطات في ظل الوضع الحالي أن تبدي مزيداً من الانفتاح، لكننا نطالبها بمنحنا بعض الوقت، او على الأقل الاعتراف بالأوراق الثبوتية التي نمنحها للاجئين، في ظل رغبتهم في الانتقال إلى دولة غربية"، وإن أقرّ بتفهمه"عقدة اللاجئين الفلسطينيين"التي لا ترغب بيروت في تكرارها مع العراقيين. ويتحدث عن انطباع فحواه"ان عدد اللاجئين في لبنان لن يشهد زيادة"، لاعتبارات، أبرزها تراجع عدد الضحايا المدنيين في العراق. وأن لا يكون اللاجئ مسجلاً لدى المفوضية العليا لا يعني ذلك انه لا يلقى مساعدتها. إذ لديها ثلاث مجموعات عمل: إحداها للصحة وثانية للتربية وثالثة شاملة، تضم كل منها نحو 20 جمعية خيرية وجمعيات أهلية ومنظمات غير حكومية، مهمتها تزويد المفوضية معلومات عن أحوال اللاجئين"وهي آلية نثق بأننا سننجح عبرها في بلوغ 70 - 80 في المئة من اللاجئين غير الشرعيين".