فاز الرسام البريطاني مارك والنغر بجائزة"تيرنر"التي تُمنح كل عام، لفنان بريطاني الأصل أو الإقامة، عن معرض كامل. وعلى رغم أن جائزة هذا العام أُسندت الى فنان كبير من جماعة"الفنانين البريطانيين الشباب"لكن عمله الفائز"ستَيتْ بريتِنْ"لا يخرج عن إطار"الاستنساخ"لعمل واقعي صار مألوفاً لدى البريطانيين، بل يشكِّل علامة فارقة على الاحتجاج السلمي ضد السياسة الخارجية للحكومة البريطانية. لا يمكن الحديث عن تجربة والنغر من دون التوقف أولاً عند"النسخة الأصلية"الواقعية التي كرّسها الناشط البريطاني الاحتجاجي برايان هاو الذي اعتصم في معسكر صغير أقامه بنفسه على مقربة من البرلمان البريطاني عام 2001 حتى أيار مايو 2006 حيث أزيلت معالم هذا المعسكر الاحتجاجي بذريعة مخالفته لقوانين التظاهرات غير المرخَّص لها. ومع ذلك عاود اعتصامه الذي دخل عامه السابع مُصراً على فضح السياسات التي يتبعها بعض رموز الحكومة البريطانية. بدأ مشروع ناشط السلام هاوْ بفكرة احتجاجية بسيطة واصفاً فيها رئيس الوزراء السابق توني بلير بپ"الكذّاب"الذي خدع الناخبين، وقاد أبناءهم الى الحرب في أفغانستانوالعراق، ما أفضى الى تفجيرات تموز يوليو. ولم يأتِ هاو بكل هذه الرسومات والملصقات الاحتجاجية من عنده، وإنما هي حصيلة تبرع عدد كبير من المواطنين البريطانيين والأجانب الذين تعاطفوا معه، ووجدوا فيه" ناطقاً رسمياً" بلسانهم، ومعبِّراً عن قلقهم المتواصل، وهواجسهم الداخلية من مغبة ردود فعل المواطنين المقيمين في بريطانيا، والذين ينتمون الى البلدان المُحتلَة من قبل القوات الأنكلو- أميركية. لم ينجز والنغر هذا التجهيز لوحده، وإنما جنّد 15 شخصاً عملوا معه في شكل متواصل طوال ستة أشهر، لأن عدد وحدات العمل كثيرة، إذ بلغت 600 وحدة معززة بمدلولات سياسية وفكرية وفنية، بدءاً من خيمته المصنوعة من المشمع، مروراً بالأعلام، والشعارات، والدمى، والرسومات، والعلامات المرورية، والأيقونات المثبتة على قبعته، وانتهاء بالسياج الموقت الذي امتد مسافة 40 متراً وهي المساحة الكلية لمعسكره الاحتجاجي الدائم أمام مجلسي العموم واللوردات. ضم المعسكر الاحتجاجي عدداً كبيراً من الشعارات الجريئة واللاذعة في سخريتها، من بينها"بلير كذاب"إذ طبعت حرف"B"بالخط العريض ثم حُرِّفت كلمة لير"Lair"الى"Liar"أي كذّاب. أما الدمى فتطالب الحكومة البريطانية بوقف مذابحها في العراقوأفغانستان. وهناك صرخات عشوائية بثها برايان هنا وهناك في معسكره الاحتجاجي منها ما يقول بالفم الملآن"أوقفوا الحرب"وپ"قتلة الأطفال"وبالقرب منها صور لأطفال عراقيين وأفغان أحرقتهم الصواريخ الذكية وشوهّت ملامحهم. لم تفلت من الفنان والنغر أية مفردة من مفردات المعسكر الاحتجاجي إلا ونقلها في عمله التجهيزي الذي أخذ هو الآخر طابع النقد والاحتجاج. فمعروف عن والنغر اهتمامه بحرية الرأي والتعبير حيث صرح لموقع"بي. بي. سي":"أنا مدين لكل أولئك الناس الذين ساهموا في صناعة العمل الفني الموسوم ستيت بريتن". بلغت كلفة العمل الإجمالية 90 ألف جنيه إسترليني، فيما بلغت قيمة الجائزة 125 ألفاً، غير أن"تيت غاليري"تحملت تكاليف التجهيز الفني. وأسست جائزة"تيرنر"قبل 23 سنة. وأقيمت كل الاحتفاليات السابقة في لندن، غير أن هذه الاحتفالية هي الوحيدة التي تقام في" تيت ليفربول. وقد شاهد هذا التجهيز منذ عرضه في تشرين الأول أكتوبر الماضي وحتى الآن 145 ألف متفرج. وكان والنغر رُشّح لهذه الجائزة عام 1995 لكن الفنان ديمين هيرست كان الأكثر استحقاقاً من سواه، إضافة الى كونه أغلى فنان في بريطانيا، خصوصاً بعد أن بيعت لوحة له بنحو عشرة ملايين جنيه. وقد أثنت لجنة التحكيم على والنغر 48 عاماً الذي انتقى ثيمة راهنة، قوية وعميقة وذات أهمية تاريخية تستنطق الزمن المضارع، حيث أن التكوين يجمع بين البيان السياسي الواضح والقدرة الفنية على إبراز الحقائق الإنسانية الأساسية.". أما المرشحون الآخرون لهذه الجائزة هذا العام فهم المصورة زارينا بيهيجي، مايك نلسون، وناثان كولي. وقد تسلّم كل منهم مبلغ خمسة آلاف جنيه إسترليني عن أعمالهم التي شاركت في المسابقة. وجدير ذكره أن أول امرأة فنانة تفوز بهذه الجائزة هي الرسامة الألمانية التجريدية توما أبتس عام 2006 حيث وقع اختيار لجنة التحكيم على معرض شخصي لها أقيم في"كُنست هول باسل"في سويسرا حيث كشفت أعمالها عن لغة فنية تجريدية رصينة. ولد مارك والنغر في إيسكس عام 1959. درس الفن في مدرسة جلسيا للفنون. ثم واصل دراسته في جامعة غولدسميث في لندن. عُرف بمنحاه النقدي اللاذع لسياسة الحكومة البريطانية. مثّل بريطانيا في الدورة التاسعة والأربعين لبينالي فينيسيا عام 2001. أما وليم تيرنر الذي تحمل هذه الجائزة اسمه، فهو فنان رومانسي معروف برسومه المكرسة للمناظر الطبيعية وهي التي أفضت الى تأسيس المدرسة التعبيرية المعروفة.