تنطلق عودة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير على عجل الى بيروت في محاولة جديدة لإحياء المبادرة الفرنسية الهادفة الى مساعدة الأطراف اللبنانيين على انتخاب رئيس جمهورية جديد، من قرار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، كما تقول مصادر في الأكثرية، الأخذ بپ"النصائح"التي أسداها اليه نظيره السوري بشار الأسد على محمل الجد، على قاعدة ان التحالف الشيعي بطرفيه حركة"أمل"وپ"حزب الله"يؤيد انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وان الظروف مواتية لرعاية تفاهم لبناني - لبناني على سلة شاملة للحل. وتؤكد المصادر نفسها لپ"الحياة" ان دمشق أبلغت باريس ان لا مشكلة لدى "أمل" وپ"حزب الله" في انتخاب سليمان، وانها توصلت معهما الى تفاهم في هذا الشأن، ويبقى على كوشنير ان يواصل جهوده مع رئيس تكتل"التغيير والإصلاح"العماد ميشال عون لإقناعه بالدخول طرفاً في التسوية، ما يستدعي جمعه مع رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري باعتباره الأوفر حظاً لتولي رئاسة الحكومة المقبلة. لكن المصادر عينها ما زالت تطرح أسئلة عن الالتزامات التي تعهد بها الأسد لساركوزي ليسارع الى إيفاد كوشنير الى بيروت، خصوصاً ان الاتصالات السابقة بين دمشقوباريس لم تكن مشجعة وهذا ما لمسه الفريق الفرنسي المكلف العمل من أجل تأمين انتخاب الرئيس لا سيما ان الظروف الداخلية في لبنان ليست ناضجة بعد لتمرير الاستحقاق الرئاسي. وتابعت المصادر ان باريس اقتنعت بالموقف السوري وأخذت تتحرك في الساحة اللبنانية على أساس ان لا غبار على موقف دمشق وانها ماضية في حض التحالف الشيعي على الانخراط في التسوية وان المشكلة تبقى محصورة في موقف عون وبالتالي بات مطلوباً من باريس ان تعمل على تليين موقف الأخير وتدفع لجمعه مع الحريري. إلا أن الخارجية الفرنسية وفريق العمل التابع لساركوزي اصطدما بمشكلة عدم ترجمة الأقوال السورية الى أفعال، بعدما تبين ان العقبات التي واجهتها باريس في بيروت ناجمة عن توزيع الأدوار بين أطراف المعارضة، خصوصاً في ضوء مبادرة عون الى إطلاق مبادرة وجدت الأكثرية في كل بند فيها إصراراً من زعيم"التيار الوطني الحر"على عرقلة التسوية نظراً الى انها اشترطت تعليق العمل بموجبات الدستور اللبناني كأمر واقع لا بد منه لتسويق المبادرة. وتعتقد مصادر الأكثرية ان دمشق وطهران لم تتخذا قراراً بتسهيل انتخاب الرئيس، إلا إذا كانت باريس تعتبر أن التحالف الشيعي ماضٍ في التفاهم على تسوية على عكس استمرار عون في تشدده، وهذا ما يبرر دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري النائب الحريري الى معاودة تواصله مع عون بذريعة ان اللقاءات بينهما كانت بدأت في باريس وان"حزب الله"وپ"أمل"ينتظران منهما التفاهم على دفتر للشروط يشكل انتخاب الرئيس من خلاله المعبر الإجباري لإنهاء الأزمة على قاعدة التوافق على سلة شاملة للحل. وسألت المصادر عن جدوى التواصل بين الحريري وعون وقالت ان الظروف التي استدعت اجتماعهما في باريس تبدلت الآن، موضحة ان الحريري التقى عون في باريس رغبة منه في قطع الطريق على حصول فراغ وان اللقاء استبق مبادرة البطريرك الماروني نصرپالله بطرس صفير الى إعداد لائحة بأسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية سلمها الى الجانب الفرنسي. وتابعت المصادر:"أما اليوم فالفراغ في سدة الرئاسة قائم وعون كان أكد للحريري في لقاءات باريس عدم استعداده لتعديل الدستور خلاف ما أعلنه أخيراً من أنه ليس ضد العماد سليمان، علماً ان مبادرته تلغي وصول الأخير الى الرئاسة". وأكدت ان عون، عندما تبنى ترشيح سليمان، لم يخطر في باله ان يربطه بالموافقة على مبادرته التي أطلقها بعد اجتماع لتكتل"التغيير والإصلاح"على رغم انه لم يأت على ذكر ذلك في الاجتماع الذي اتخذ فيه قراره دعم ترشح سليمان، إضافة الى انه كان يفكر بتأييد واحد من اثنين: النائب بيار دكاش والنائب السابق مخايل الضاهر لرئاسة الجمهورية. ولفتت الى أن عون يتبع سياسة الخطاب المزدوج في تعامله مع الاستحقاق الرئاسي وهذا ما برز من خلال"الإرشاد السياسي"الذي جاء في سياق الأطروحات المسيحية التوافقية على الأزمة اللبنانية والذي يتعارض مع وثيقة التفاهم التي كان أبرمها مع"حزب الله". وأوضحت المصادر ان عون أراد، وعلى طريقته الخاصة، ان يجمع بين الأضداد، أي بين ورقة التفاهم مع"حزب الله"ووثيقة الأطروحات السياسية وركيزتها الأساسية تطبيق كونفيدرالية الطوائف كأساس لحل الأزمة، مشيرة الى أن للبيان الذي صدر أمس عن مكتبه الإعلامي وفيه دعوة الى حسن تنفيذ اتفاق الطائف والالتزام بأحكام الدستور خلفية تكمن في انه اضطر الى التراجع التكتيكي تحت ضغط"حزب الله"وپ"أمل"اللذين لم يبديا ارتياحهما الى العناوين الأساسية الواردة في وثيقته المسيحية. وأكدت المصادر ان عون اضطر الى استحضار اتفاق الطائف خلافاً لمواقفه السابقة الرافضة له، بغية تحقيق فك اشتباك مع التحالف الشيعي وبهدف رمي"قشرة موز"أمام كوشنير لإيهامه بأنه منفتح على التسوية. كما سألت المصادر عن مبرر دعوة بري الحريري الى استئناف حواره مع عون، فيما المطلوب من المعارضة ان تأخذ على عاتقها مهمة إقناع"التيار الوطني"بالانخراط في التسوية تماماً كما حصل في داخل قوى 14 آذار التي نجحت في نهاية المطاف في تقديم موقفها المؤيد لتعديل الدستور ولانتخاب سليمان رئيساً. أما لجهة القول ? بحسب المصادر ? ان بري في حاجة الى استئناف الحوار بين عون والحريري ليكون في مقدوره تجاوز"الجنرال"لمصلحة الحل في حال أصر الأخير على ربط انتخاب الرئيس بمبادرته، بعد ان يتسلح بمواقف"التيار الوطني الحر"المناوئة للتسوية، فإن الأكثرية تسأل عن الأسباب التي يمكن أن تدفع الحريري الى مخالفة اتفاق الطائف وبالتالي القفز فوق دور المؤسسات الدستورية في تسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة فور انتخاب رئيس الجمهورية، ناهيك بأن الأكثرية تتعامل بحذر مع عودة الحريري وعون الى الحوار انطلاقاً من ان الأول غير قادر على التفاوض في أمور لا يملكها ويراد منه ان يستبق الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة. وتتخوف مصادر الأكثرية، في ظل مضي دمشق وطهران في لعبة تمرير الوقت من استغلال الحوار بين عون والحريري لإطلاق رصاصة الرحمة على الاستحقاق الرئاسي وإظهار الأكثرية وكأنها تعيق انتخاب سليمان، لا سيما ان هناك صعوبة في إقناع عون، بصرف النظر عن مبادرته، إضافة الى أن الطلب من زعيم الأكثرية التفاوض على السلة الشاملة للحل يعني تعطيل دور المؤسسات الدستورية وتقييد صلاحيات رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية وهذا كمين لن تسقط فيه الأكثرية لتوفير الذرائع لعون للهروب الى الأمام. وترى المصادر ان جدول الأعمال يتطلب أولاً التوافق على انتخاب الرئيس ما يستدعي من المعارضة بكل أطيافها ان تحسم أمرها إذا كانت جادة في الوصول الى تسوية بدعم دمشق التي أوحت لساركوزي بإيفاد كوشنير تحت عنوان ان الظروف أصبحت ناضجة للحل.