سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لبنان : مصير جلسة غد لانتخاب الرئيس معلق بعد تفاقم الخلاف على تعديل الدستور . بري يتجاوز عدم الاعتراف بالحكومة بتعليق المادة 49 والأكثرية تعتبره انقلاباً ومؤشراً الى إطاحة اتفاق الطائف
عودة البحث في التعديل الدستوري الى نقطة الصفر، قد تدفع الجلسة النيابية المقررة غداً الثلثاء لإقرار التعديل تمهيداً لانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية الى مصير مجهول وتبقيها عالقة بين تبني رئيس المجلس النيابي نبيه بري روحية الاقتراح الذي تقدم به سلفه الرئيس حسين الحسيني بتعليق العمل بالفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور بذريعة ان البلاد تمر في ظروف استثنائية خطيرة تقتضي تعليق تطبيقها الى حين انتخاب سليمان، وبين رفض الأكثرية في البرلمان هذا الاقتراح الذي يعني ارتكاب مخالفة دستورية في تعديل الدستور. وفيما قالت مصادر مقربة من بري لپ"الحياة"إن لا مفر من تعليق الفقرة الثالثة من المادة 49 وفيها"أنه لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم او تاريخ إحالتهم على التقاعد"تحت عنوان ان التعديل لا يمكن ان يتم إلا من داخل المجلس النيابي باعتباره المؤسسة الشرعية الوحيدة المتبقية من بين مؤسسات الدولة في ظل الفراغ في الرئاسة الأولى وفي ضوء فقدان الحكومة للشرعية والدستورية ومناقضتها ميثاق العيش المشترك، سألت مصادر قيادية في الأكثرية عن الأسباب الموجبة لتعليق العمل بالفقرة المذكورة التي يعمل بها في الحالات الانقلابية التي كانت سائدة في المنطقة في السابق والتي كان يصار بسببها الى تعليق العمل بالدستور. كما سألت المصادر نفسها عن خلفية مبادرة بري الى تبني اقتراح الحسيني، وهو يعرف، قبل غيره، ان لا شيء في الدستور اسمه تعليق الدستور، وقالت ل"الحياة"ان الأكثرية ستضطر الى اتخاذ موقف من رئيس المجلس في حال استمر في الإمعان في خرق الدستور، خصوصاً انها أبدت مرونة واضحة في تعاطيها مع ملف الاستحقاق الرئاسي بدءاً من موافقتها على تعديل الدستور لفسح المجال امام انتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية ولقطع الطريق على محاولات جر البلد الى الفوضى ومنها الى المجهول، ومروراً بصرف النظر بصورة موقتة عن انتخاب الرئيس بأكثرية النصف زائداً واحداً لمصلحة التوافق على الرئيس العتيد، وانتهاء بموافقتها على التنازل عن تبني مرشحين من قوى 14 آذار. واعتبرت ان لا يجوز لرئيس المجلس، وهو القيم على السلطة التشريعية، ان يضع الأكثرية امام خيارين: إما الفراغ وإما الإقرار قسراً بوجوب مخالفة الدستور، بذريعة ان المعارضة لا تعترف بالحكومة ومن خلالها مجلس الوزراء الذي يعتبر بمثابة الممر الإلزامي لتعديل الدستور سواء جاء باقتراح قانون من طريق البرلمان أم بواسطة السلطة التنفيذية من طريق إعدادها مشروع قانون في هذا الشأن تحيله الى المجلس النيابي. وأكدت ان الرئيس بري كان أبدى مرونة في الجلسة النيابية الأخيرة التي لم تلتئم رسمياً في الانفتاح على طلب الأكثرية ان يمر التعديل من خلال مجلس الوزراء بعد عودة الوزراء الشيعة المستقيلين إليه مشترطاً موافقة"حزب الله"المتحالف مع"التيار الوطني الحر"بزعامة العماد ميشال عون. اقتراح قانون تعليق العمل بالمادة 49 وفي هذا السياق سألت المصادر نفسها الرئيس بري الذي يتجه الى اعداد اقتراح قانون يوقع عليه عشرة نواب يطالبون فيه بتعليق العمل بالفقرة الثالثة من المادة 49 ريثما يتاح للبرلمان انتخاب سليمان رئيساً للجمهورية، عن الأسباب الكامنة وراء عدم الكشف عن الاقتراح الذي تقدمت به هيئة تحديث القوانين برئاسة رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية روبير غانم والذي يتضمن صراحة ان أي تعديل للدستور يجب ان يمر في مطلق الأحوال من خلال مجلس الوزراء. كما سألت عن مضمون المداولات بين النائب غانم وزميله النائب بهيج طبارة والتي انتهت وبعلمه، الى عدم إجازة أي تعديل للدستور من خارج الممر الإجباري المتمثل في مجلس الوزراء؟ واعتبرت مصادر الأكثرية ان موقف بري الطارئ من تعديل الدستور ما هو إلا انعكاس لمحاولة جميع اطراف المعارضة، وتحديداً حركة"أمل"وپ"حزب الله"وپ"التيار الوطني الحر"الى تبادل رمي المسؤولية على بعضهم بعضاً، معترفة بأن بري كان ابلغ رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري عندما التقاه الجمعة الماضي على هامش الجلسة التي لم تنعقد رسمياً بسبب عدم توافر نصاب أكثرية الثلثين من اعضاء البرلمان، أنه لن يمشي في تعديل الدستور من خلال مجلس الوزراء بعد عودة الوزراء الشيعة إليه، ما لم يمش"حزب الله"الذي اجاب، بحسب نوابه، أنه يربط موافقته بموقف عون، مقترحين القيام بجهود مشتركة لدى رئيس تكتل"التغيير والإصلاح"لإقناعه بجدوى سلوك الممر الإجباري للتعديل المتمثل بمجلس الوزراء. وكشف ان بري، لم يعط موافقة نهائية في هذا الخصوص، لكن الأكثرية قدمت أقصى ما لديها من تسهيلات لعودة الوزراء الشيعة الى الحكومة بما فيها تسجيل اعتراضهم على القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء في غيابهم، اضافة الى تكريس موقفهم السابق من الحكومة بعدم شرعيتها واعتبار حضورهم جلسة مجلس الوزراء اليتيمة تعبيراً عن وضعهم المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار لمنع حصول فراغ في سدة الرئاسة الأولى. لكن الأكثرية، كما تقول مصادرها، فوجئت بالموقف الذي أبلغه بري لسفيري الولاياتالمتحدة الأميركية في لبنان جيفري فيلتمان والسعودية عبدالعزيز خوجة بأن"لا شيء ماشي"في موضوع تعديل الدستور انطلاقاً من الأفكار التي طرحتها الأكثرية وأن البديل لديه يكمن في فكرة مؤداها ان المجلس النيابي سيد نفسه وأنه يعمل حالياً على تطويرها وإدراجها في اقتراح قانون يقره البرلمان بأكثرية الثلثين وما فوق من دون ان يمر عبر مجلس الوزراء باعتبار الحكومة فاقدة للشرعية ولوثيقة الوفاق الوطني لاستقالة وزراء يمثلون طائفة اساسية منها. وقالت المصادر:"ان اقتراح بري تعليق الفقرة الثالثة من المادة 49 يعيدنا الى تاريخ المنظومات الانقلابية في المنطقة التي مر عليها الزمن، إنما هذه المرة تحت عنوان استرضاء العماد عون ودفعه الى الانخراط في التسوية السياسية". وأضافت:"لو افترضنا ان الأكثرية وافقت على تعليق الدستور على رغم انه من سابع المستحيلات، فهل في مقدور المعارضة ان تعده تمهيداً لتمريره في البرلمان من دون العودة الى مجلس الوزراء؟". التذرع بمواقف عون وتابعت المصادر ان المعارضة تطرح تعليق الدستور على قاعدة التذرع بمواقف عون وأنها تقوم بكل ما في وسعها لإقناعه بعدم الخروج عن التسوية، لكنها تتجاهل في الوقت نفسه المواقف التي صدرت عنه اخيراً، سواء في مبادرته الشهيرة، أو في وثيقة الطروحات المسيحية التي أعلنها في نهاية المشاورات التي أجراها منذ اسبوعين. وسألت المصادر بري وقيادة"حزب الله"عن السبل الآيلة الى إقناع عون الذي لا يزال يتمسك بتقصير ولاية رئيس الجمهورية، ويصر ايضاً على طرح حلول للأزمة اللبنانية باعتماد مشروع كونفيديرالية الطوائف اضافة الى حصر اختيار رئيس الجمهورية به شخصياً ومنع تسمية الحريري من خلال الاستشارات النيابية الملزمة رئيساً للحكومة الجديدة. وقالت:"هل تنسجم جميع اقتراحاته مع روحية الدستور ام تشكل خرقاً لها؟". وتابعت المصادر:"لمصلحة من ارتكاب كل هذه المخالفات ومن هو المستفيد من تراكم تداعياتها على البلد وبالتالي لمصلحة من جرنا الى الفوضى؟ وهل من تفسير لدى المعارضة لكل الأطروحات المخالفة للدستور سوى انها مقدمة للدعوة الى إعادة النظر في اتفاق الطائف إن لم تكن التوطئة الأولى لوضع اتفاق سياسي جديد يتعارض مع وثيقة الوفاق الوطني التي أنتجها الطائف، ام ان هناك من يراهن على الاستمرار في ابتزاز الأكثرية الى ما لا نهاية، فقط لأن المعارضة لم تحصل على ضوء اخضر من سورية وإيران لانتخاب الرئيس؟". بري مع سليمان... لكن؟ وفي المقابل استغربت مصادر مقربة من بري لجوء الأكثرية الى كيل الاتهامات له، تارة بذريعة امعانه في خرق الدستور وتارة أخرى تحت عنوان انه يعطل دور البرلمان وأن الضوء الأخضر لم يصدر حتى الساعة من دمشق وطهران للإسراع في انتخاب الرئيس! وتابعت المصادر نفسها ان بري لا يناور، لكنه يسأل الأكثرية عن السبل الواجب اتباعها لانتخاب الرئيس في ظل الفراغ في الرئاسة الأولى ومع استمرار حكومة فاقدة للشرعية وقالت لپ"الحياة"ان رئيس المجلس لا يستطيع ان يتحمل الأعباء السياسية للتراجع عن موقفه اعتبار الحكومة غير دستورية، وبالتالي فإنه ليس في وارد ان يسجل على نفسه سابقة بأنه والمعارضة تراجعا عن كل الاتهامات التي وجّهت الى الحكومة والتي سيكون لها"مردود"سلبي يتجاوز الوسط الشيعي الى اطياف المجتمع اللبناني ككل. وقالت ان بري صادق مع نفسه في دعمه لترشح العماد سليمان لكن ما هي الطريق الى انتخابه طالما ان الحكومة غير موجودة وسدة الرئاسة فارغة. وسألت:"ألا يعني هذا ان لبنان يمر في ظروف استثنائية، ولم يبق امامه سوى البرلمان لاستنباط الحل الذي ينقذ البلد من الفراغ؟ فالمجلس كما تقول المصادر هو سيد نفسه ومن لديه اقتراح آخر لتجاوز الوضع الصعب الذي يمر فيه لبنان فليتفضل. وإذ لفتت المصادر نفسها الى ان بري يعتبر ان الأجواء ما زالت ضبابية في شأن آلية التعديل الدستوري وانتخاب رئيس جديد غداً الثلثاء، اشارت في المقابل الى انه مع انتخاب سليمان. وكشفت بأنه في ظل الظروف الراهنة قد يلجأ، إزاء وجود العوائق الدستورية وعدم وضوح آلية التعديل، الى الاقتراح الآخر الذي كان تقدم به سابقاً في شأن الآلية والرامي الى مبادرة النواب للتوقيع على اقتراح قانون يجيز للبرلمان تعديل هذه الفقرة او تعليقها من دون العودة الى الحكومة باعتبارها غير شرعية وبذريعة ان المصلحة العامة فوق كل اعتبار وأن المجلس سيد نفسه وبالتالي يحق له من اجل كل هذا ان يتجاوز بعض النصوص ولو بصورة موقتة. وهو كان طرح هذه الفكرة في محادثاته الأخيرة مع وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير. ويتلاقى بري في هذا الطرح وينسجم، كما تقول مصادره، مع طرح الحسيني، لأن الاقتراح المذكور ينهي الإشكالية الحالية ويؤدي الى استحالة مرور آلية التعديل عبر الحكومة اللاشرعية لأن نواب المعارضة يصرون على عدم التعاطي مع حكومة فؤاد السنيورة. وإذ تشير المصادر نفسها الى ان هذا الاقتراح ينسجم بالكامل مع الاجتهادات الفرنسية وقرارات المجلس الدستوري لا سيما القرار الرقم 2- الصادر عن المجلس الدستوري عام 1997 والقرار الرقم 4- الصادر عام 1996. فإن مصادر في الأكثرية قالت ان هذين القرارين يتعلقان بالمجالس البلدية والاختيارية وأنهما بنيا على مخالفة للدستور"فهل المطلوب تشريع مخالفة جديدة ونحن نعمل من اجل تعديله؟ ومن يغطيها، خصوصاً أن حجم المخالفة هذه المرة يتجاوز اموراً روتينية الى توفير الذرائع للطعن بالرئيس المنتخب"؟ وعليه فإن موجة التفاؤل بانتخاب الرئيس غداً بعد تعديل الدستور آخذة في الانحسار تدريجاً وتكاد تضع البلد امام احتمالات سياسية جديدة فيها الكثير من الخيارات الصعبة إلا اذا أُعيدت فتح قنوات الاتصال للتفاهم على صيغة جديدة للتعديل لا سيما ان تعليق العمل بفكرة أو بمادة ما هو إلا شكل من أشكال التعديل وبالتالي من غير المقبول الالتفاف عليه عبر تبرير آلية للتعديل تتعارض ونصوص الدستور. خصوصاً ان الدستور لم يأت على ذكر شيء اسمه تعليق العمل بمواده.