بكل بساطة رأى المغرب أن مشاركة مسؤول من الحزب الاشتراكي السنغالي في مؤتمر بوليساريو في تيفاريتي خروجاً عن المألوف في علاقات البلدين الصديقين، فعمد الى سحب سفيره في داكار لفترة ثلاثة أيام، وكانت المفاجأة أن الحكومة السنغالية ردت بالمثل، ما تطلب تسريع إجراءات إطفاء الحريق. غير أن إخماد النار إذ تشتعل في غفلة عن العيون يسبق البحث عمن أوقظها، كذلك علاقات الرباط وداكار التي لم تعرف أزمة مماثلة منذ أكثر من عقدين. للتاريخ أن في عهد الرئيس السنغالي السابق عبدو ضيوف استمزجت وجهة نظر الخارجية المغربية إزاء طبعة مفاوضات لم تكتمل بين المغرب وبوليساريو، إلا أن رئيس الديبلوماسية المغربية وقتذاك عبدالواحد بلقزيز لم يكن مجرد ساعي بريد أو أنه لم ير ضرورة في وضع المراجع الرسمية العليا في صورة الاستمزاج السنغالي، وكانت النتيجة انه تلقى خبر إقالته عبر نشرة إذاعية كان يستمع اليها في الطريق بين مراكشوالرباط. واعتبر الحادث عارضاً لا يعكر صفو العلاقات. غير أن تبادل مصطلحات العتب ألقى بظلاله على الطابع المتميز لما يمكن اعتباره محوراً مغربياً - سنغالياً ناشئاً على خلفية استعادة روابط تاريخية وامتدادات جغرافية أضحت ضمنها الانشغالات الأفريقية للرباط كما الانفتاح السنغالي على بلدان الشمال الأفريقي هاجساً استراتيجياً. قد لا يكون هذا الاختيار مفهوماً بالقدر الكافي في مجالات عربية أخرى، إلا أن البلدان العربية ذات الامتداد الأفريقي مثل مصر أو الجزائر أو السودان اهتمت بنسج علاقات مع جوارها الأفريقي الذي لا ينفصل عن مكوناتها الثقافية وتعدد هوياتها، وحدث أن الدول الأفريقية اصطفت الى جانب الحق العربي في صراع الشرق الأوسط. وزاد في ترسيخ هذا التوجه أن منظمة المؤتمر الاسلامي راعت في تركيبتها الحضور الأفريقي كما الآسيوي. وتحولت الى مركز استقطاب حضاري وسياسي جعلها من بين أكبر المنابر الدولية عدداً وامتداداً. غير أن ما أثر سلباً في هذا المسار الذي كان يفرض وجوده حتى في فترات نظام"القطبين"ان خلافات بين دول عربية وإسلامية انسحبت على الساحة الأفريقية، ما حدا بزعيم عربي اسمه أنور السادات أن يخطب ود الدول الأفريقية في قمة منروفيا رداً على مقاطعته عربياً بعد إبرام اتفاق كامب ديفيد. ولم يخف زعماء أفارقة رفضهم استخدام الفضاء الأفريقي ساحة معارك عربية، ما أفسح في المجال أمام تغلغل النفوذ الإسرائيلي في القارة السمراء. فقد كان معيباً ان تخسر القضايا العربية العادلة مواقع في أفريقيا تحديداً، كونها القاعدة الخلفية لإرادة التحرير بين الشعوب العربية والأفريقية، لكنه الصراع الذي لا يستثني أي موطئ قدم. ليس العتب القائم بين الرباط وداكار من النوع الذي يستعصي احتواؤه واستيعابه بأقل قدر من الخسارة، ولكنه يؤشر الى تداعيات نقل الخلافات العربية - العربية الى الساحة الأفريقية. فقد سبقه نزوع غير مبرر الى استخدام الطريقة التيجانية ذات البعد الروحي، المنتشرة في السنغال ومعاقل في العمق الأفريقي. تمتد من غرب القارة الى دارفور في خلافات سياسية، وكان أجدى أن تترك الزوايا الدينية والطرائق الصوفية مجالاً لتكريس ثقافة التعايش والتسامح والمودة، كون انتشارها يعزز صلات الحوار والتفاهم والتقارب، ويحسب للنظام السنغالي أنه خطا قدماً في اتجاه تعزيز العلاقات الأفريقية - العربية والإسلامية، فقد استضاف قمة إسلامية ناجحة. وحين قدم المغرب ترشيحه لاستضافة مونديال 2010 كان الرئيس السنغالي عبدو اللاي واد في مقدم المدافعين عن ملفه في مواجهة النفوذ السياسي والاقتصادي لجنوب أفريقيا. والحال أنه ما زال يحمل لواء الدفاع عن عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الأفريقي من منطلق وحدتها في جمع إرادة الأفارقة كافة. وسواء كان الحزب الاشتراكي السنغالي تعمد عدم مجاراة حكومة بلاده في الموقف من نزاع الصحراء أو أن الأمر لا يعدو صراعاً داخلياً بين الأحزاب السنغالية في المعارضة والموالاة، فإن أي جهة لا يمكن أن ترتضي تحمل مسؤولية تعريض العلاقات بين الرباط وداكار الى التدهور، لأن ثمة روابط تاريخية وحضارية وسياسية تفوق الأزمات العارضة.