اتّخذ مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الأردن عام 2001 قراراً من اهم القرارات الصادرة عن القمم العربية عندما قرر عقد قمة اقتصادية عربية. الا ان القمة الموعودة"ضاعت"وضلت السبيل. خرج من عمّان مشروع قمة اقتصادية على مستوى القادة العرب، فاذا به يتحوّل الى مشروع مؤتمر على مستوى الوزراء الثانويين غير السياديين. وخرجت القمة الاقتصادية من قمة عمان على ان تحط في القاهرة خلال اشهر قليلة لا تتعدى نهاية عام 2001، فاذا بها تؤجل مرارا حتى غاب ذكرها عن اهل الحل والعقد وعن جموع المواطنين. ولم يعد يسمع احد اي شيء، من قريب او بعيد، عن القمة الاقتصادية التي اثارت الآمال العريضة بين المعنيين بالتنمية والتقدم في المنطقة. استمر غياب القمة واختفاؤها لمدة سنوات حتى عثر عليها الكويتيون والمصريون فنفضوا الغبار عنها واعادوا تأهيلها وتنشيطها واخذوها معهم الى قمة الرياض. وفي هذه القمة قدمت الكويت ومصر اقتراحا مشتركا بعقد القمة الاقتصادية فحاز موافقة القادة العرب، وصدر قرار جديد ب"عقد قمة عربية تخصص فقط للشؤون الاقتصادية والتنموية والاجتماعية". ورحب الكثيرون بهذا القرار، ولكن التجربة السابقة جعلت البعض يبدي تخوفه من تكرار تجربة عام 2001 فتضيع القمة مرة اخرى وتضيع معها الآمال المعلقة على تنمية التعاون الاقتصادي بين الدول العربية، فهل لهذه المخاوف من مبرر؟ لعل الاعلان عن تشكيل هيئة لتنسيق النشاطات التحضيرية للمؤتمر وعن اختيار 180 مشروعا لعرضها على القمة المقبلة يبدد بعض هذه المخاوف ويطمئن المتخوفين الى ان القمة ستعقد هذه المرة وتحقق الآمال المعقودة عليها فلا تضيع مرة اخرى كما ضاعت في السابق. الا ان هناك بعض المؤشرات والاعتبارات التي تبرر المخاوف. من هذه الاعتبارات الاتجاه مرة اخرى الى ترحيل القمة الاقتصادية الى ما بعد القمة الدورية التي ستعقد في دمشق خلال شهر آذار مارس المقبل. صحيح ان قمة الرياض لم تقرر ان القمة الاقتصادية ستعقد قبل انعقاد القمة الدورية اللاحقة، ولكن هذا التوقيت كان متوقعا مما دعا د. احمد جويلي، الامين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية، الى ان يرجح في تصريح ادلى به بعد ايام من انعقاد قمة الرياض، انعقاد القمة الاقتصادية العربية في موعد لا يتجاوز شهر كانون الاول ديسمبر الحالي. بالمقارنة مع هذه التوقعات، نلاحظ اليوم ان القمة الاقتصادية لم تختف عن الانظار، كما حدث من قبل، ولكن موعد انعقادها لا يزال حتى هذا التاريخ مغيبا. اذا كان تغييب موعد انعقاد القمة يثير القلق حول امكانية انعقادها اصلا، فإن بعض الترتيبات التحضيرية للحدث العربي المرتقب، يثير الخشية من تحوله من مؤتمر قمة يحضره القادة العرب ويلقون بثقلهم وراءه من اجل دفع مشاريع التعاون العربي الاقتصادي، الى مؤتمر وزاري يضم مسؤولين لا يملكون سلطات كافية لتفعيل هذه المشاريع. هذه المخاوف تستند لدى معنيين بالعمل العربي المشترك الى امرين رئيسيين: الاول، هو التغاضي عما جاء في قرار قمة الرياض بصدد الجهات التي ينبغي تكليفها واشراكها في عملية التحضير للقمة الاقتصادية. فقمة الرياض اقرت تكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لجامعة الدول العربية مع الامانة العامة للجامعة بالاعداد للقمة الاقتصادية، الا انه تم تجاهل دور هذا المجلس فضلا عن تجاهل مجلس الوحدة الاقتصادية العربية التابع للجامعة واستحداث اطار جديد للاعداد للقمة. هذا المنحى في التحضير للقمة، وبخاصة تجاهل دور مجلس الوحدة الاقتصادية الذي يملك خبرة واسعة في مسألة التعاون الاقتصادي العربي، يثيران تساؤلات حول النظرة الى القمة المرتقبة. اذا كان المطلوب النظر الى القمة الاقتصادية كمحطة مهمة ل"تطوير وتفعيل منظومة العمل العربي المشترك ولضرورات الاصلاح والتحديث في الدول العربية"، كما جاء في قرار قمة الرياض المتعلق بالقمة الاقتصادية، فإنه من المفروض ان ينفذ القرار عبر التعاون مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي للتحضير للقمة الاقتصادية، وان تسند الى مجلس الوحدة الاقتصادية العربية دورا اساسيا في عملية التحضير. فمهما كان الرأي في مؤسسات وادارات العمل العربي المشترك ومهما كانت الانتقادات الموجهة اليها - وهي في كثير من الاحيان انتقادات متعسفة وغير محقة - يبقى المجلسان ويبقى العاملون فيهما اكثر خبرة وكفاءة بما لا يقاس ممن وقع عليهم الخيار للتحضير للقمة الاقتصادية. استطرادا فإن تجاوز المجلسين او التقليل من دورهما ودور المسؤولين عنهما، وعدم اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب في عملية التحضير للقمة الاقتصادية من شأنه ان يغذي المخاوف المتعلقة بمستوى القمة المرتقبة وبالنتائج المتوخاة منها. هنا يصح القول: قل لي كيف ومن يحضر للمؤتمر اقل لك اية قمة تريد وما هي القمة التي ستحصل عليها! الامر الثاني، ان قمة الرياض اعتبرت ان الهدف من عقد القمة الاقتصادية العربية هو"... تعزيز وتفعيل الاستراتيجيات التنموية الشاملة". واشار القرار المتعلق بالقمة الى عدد من الخيارات الفرعية التي تخدم هذا الاتجاه العام. وتركت القمة الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي مهمة دمج هذه الخيارات في الاستراتيجية العامة عبر تكليفه بالاعداد للقمة. وكما يعتقد العديدون من المعنيين بتفعيل التعاون الاقتصادي العربي بأفق تنموي، فإن اهم انجاز يمكن للقمة الاقتصادية العربية المقبلة تحقيقه هو، كما جاء في قرار القمة نفسه،"تفعيل الاتفاقيات الثنائية والاقليمية". ان تفعيل هذه الاتفاقيات يعني، في اطار العمل الجماعي العربي، التركيز على تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى غافتا. فهذه المنطقة لا تزال مشروعا لم يكتمل، كما يرى اتحاد الغرف العربية، ما دامت العقبات غير الضريبية تسد الطريق على تنمية التجارة العربية البينية. والتغلب على هذه العقبات يحتاج في الدول العربية التي تتسم بأنظمة المركزية الشديدة، الى تدخل القادة العرب انفسهم حتى يزيحوا تلك العقبات من طريق التجارة البينية العربية. ان الانتقال الى الاتحاد الجمركي العربي والى السوق العربية المشتركة لا يشترط الانتهاء من مرحلة تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. ففي بعض القطاعات يمكن اتفاق الدول العربية على سياسة جمركية مشتركة تحدد طابع العلاقات قبل انجاز مشروع"غافتا". كذلك فإن العمل من اجل اقامة سوق مشتركة عبر مشاريع العمل المشترك لا يشترط تحرير التجارة البينية العربية تحريرا كاملا. في الحالات كافة، فإن التركيز على هذه الاتفاقيات وايجاد الآليات المناسبة لتفعيلها ولمراقبة الالتزام بها وتوفير التعويضات المناسبة والجزيلة للذين يخسرون من جراء قيامها يختزل العديد من الخطوات التعاونية الفرعية التي اقترحتها قمة الرياض. فموجبات الاقلمة تملي اعطاء اتمام بناء"غافتا"والانتقال الى الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة اولوية على الاهداف الاخرى. مقارنة بهذا النهج المطلوب، نجد ان التحضيرات للقمة تتجه الى المساواة بين هذه الاهداف وبين اهداف وخطوات اخرى. ان اقرار بعض هذه الاهداف والخطوات، مثل اختيار المشروعات الاقتصادية والتنموية لعرضها واقرارها من قبل القمة هو امر مهم. ولكن بناء الاستراتيجيات ينطوي على تقديم الاهم على المهم، والجذر على الفرع وليس المساواة بينهما. ان الخروج عن هذا المبدأ قد يؤدي الى تحويل القمة تظاهرة اعلامية بدلا من ان تكون منطلقا لتعاون حقيقي في المجالات الاقتصادية والوظيفية. تخوفا من هذا المحذور، طلبت قمة الرياض ممن يحضر للقمة الاقتصادية"التدقيق في اختيار المشروعات الاقتصادية والتنموية المطلوبة بحيث ... تكون من المشروعات التي تعزز التكامل والاندماج الاقتصادي في العالم العربي" ان بعض الذين يتابعون الترتيبات التحضيرية للمؤتمر يشكون في قدرة المساهمين فيها على ممارسة مثل هذا التدقيق، وعلى اختيار المشروعات التي تندرج في اطار استراتيجية تعزز التكامل العربي. هذه الثغرة في العمل التحضيري تضع على بعض الاطراف المعنية بالقمة الاقتصادية مسؤولية مضاعفة في مراقبة النشاط التحضيري للمؤتمر. من هذه الاطراف بل في مقدمها اتحاد الغرف العربية ومؤسسات رجال الاعمال العرب. فضلا عن ذلك فإن من المفروض ان تكون القمة الاقتصادية حدثا يتابعه كل المعنيين بترقية العلاقات العربية - العربية وهذا ينطبق على المنظمات العربية الاقليمية غير الحكومية وهي التي نشأت اساسا لتحقيق هذا الهدف. اخيراً لا آخراً فإن المأمول الا يضع المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية ثقلهما وراء التحضير للقمة ومتابعة اعمالها وما يصدر عنها من قرارات. باستطاعة المجلسين ان يعززا الجهود التحضيرية حتى ولو لم يُلحظ لهما دور مباشر في هذه الجهود. * كاتب لبناني