لماذا توجهت رئيسة "حزب الشعب" الباكستاني بينظير بوتو الى دبي في هذا الوقت الدقيق الذي تمر به عمليات التفاوض بين الحكومة الباكستانية وبين الأطياف المعارضة؟ سؤال يشغل كثيرين هنا في اسلام آباد. فبدءاً من يوم أمس كان من المفترض أن ينقل زعيما"الرابطة الاسلامية"و"حزب الشعب"نواز شريف وبوتو مطالبهما وشروطهما للمشاركة في الانتخابات والتي اتفقا على جزء كبير منها خلال اجتماعهما قبل أيام الى الرئيس برويز مشرف، وعلى رأس هذه المطالب تعليق حال الطوارئ ومعاودة العمل بالدستور الدائم، ثم الغاء كل القرارات الصادرة بموجب الدستور الموقت، وإعادة قاضي القضاة وزملائه المعزولين. لكن يبدو أن القسم الثاني من المطالب هو الذي تتحفظ عليه بوتو، فقانون العفو الذي عادت بمقتضاه من منفاها صدر بموجب الدستور الموقت، ويرجح المراقبون هنا أن تكون بوتو سافرت الى دبي تفادياً لحضورها اجتماعاً مع جهات حكومية يهدف الى تقديم هذه المطالب، علماً ان الجزء الأول من المطالب وافق عليه مشرف وأعلن أنه سيعلق قانون الطوارئ، وربما كان اتفق على هذا مع بوتو. هنا في اسلام آباد، أي خطوة يخطوها سياسي لها تفسير انتخابي هذه الأيام. فبالأمس أعلن عن الشعارات التي ستعتمدها الأحزاب في الانتخابات: جناح شريف في"الرابطة الاسلامية"سيعتمد صورة الأسد، وجناح مشرف الدراجة الهوائية، فيما اعتمد"حزب الشعب"السهم شعاراً و"جمعية علماء الاسلام"بقيادة مولانا فضل الرحمن المظلة. فهم من ذلك انه لن يكون هناك تحالف انتخابي بين نواز شريف وبين مولانا فضل الرحمن، وترافق ذلك مع تأكيد مصادر قريبة من فضل الرحمن ان الاسلاميين سيخوضون الانتخابات بلائحة واحدة هي لائحة مجلس العمل الموحد، وهذا ما أكده أيضاً ل"الحياة"مسؤول في"الجماعة الاسلامية"بقيادة قاصي حسين أمين الذي كان يميل الى مقاطعة الانتخابات. ما زالت مسألة عزل كبير قضاة باكستان افتخار محمد شودري عقدة رئيسية في مسألة المشاركة أو المقاطعة. فرابطة المحامين، وهي من أقوى مؤسسات المجتمع المدني في باكستان، تصر على المقاطعة في حال لم يلغ القرار، وكذلك الأمر بالنسبة لنواز شريف وللاسلاميين، ولكن لا يبدو ذلك مطلباً ملحاً بالنسبة الى بوتو. وبالأمس نشر استطلاع للرأي حول توزع الكتل الناخبة بين القوى الباكستانية أظهر تقدماً كبيراً لنواز شريف خصوصاً في اقليم البنجاب الذي يضم 60 في المئة من أصوات الباكستانيين، تليه في الاقليم بوتو ثم الاسلاميون. أما في اقليم السند، ثاني الاقاليم الباكستانية، فتتقدم بوتو بنسبة عالية ويليها شريف ثم الاسلاميون والقوميون. وفي اقليمي سرحد وبلوشستان الصغيرين من حيث الكثافة السكانية، يشكل الاسلاميون القوة الثانية أحياناً بعد بوتو وأحياناً أخرى بعد شريف. أجواء اسلام آباد بالأمس اشارت الى تراجع احزاب المعارضة عن مقاطعة الانتخابات، بعد اعلان نواز شريف انه سيشارك فيها، من دون أن يترافق ذلك مع ايضاحات حول الثمن الذي تقاضته. لكن سيناريوات ما بعد الانتخابات بدأت تلوح، فأنصار نواز شريف يعتبرون أن مشاركتهم، وإن كانت محاصرة باحتمالات التزوير والإقصاء، ستعني دخولهم مجدداً الى اللعبة السياسية، وبوتو تستشرف من الدعم الغربي لها احتمال تزعمها الحكومة المقبلة، ومولانا فضل الرحمن يؤكد أن استقرار اقليم القبائل الذي تدور فيه معارك بين الحكومة وبين"طالبان"الباكستانية، لن يتحقق إذا لم تشكل"جمعية علماء الاسلام"الحكومة المحلية هناك. ولكن ماذا يبقى للرئيس مشرف في ظل كل هذه الطموحات؟ كل هذا يؤشر الى أن الورقة التي لم تكشف بعد هي ورقة الرئيس الذي خلع بزته العسكرية قبل أيام.