مهما اختلف تقويم مؤتمر انابوليس، تتفق غالبية المعنيين على ان العبرة بالنتائج، وتحديدا نتائج"اليوم التالي"للمؤتمر، عندما تبدأ المفاوضات الثنائية، بين الفلسطينيين واسرائيل، على القضايا الشائكة والأعقد في الصراع العربي - الفلسطيني. ويتوقع المراقبون بروز مشاكل كبيرة في"اليوم التالي"ستعوّق تطبيق قرارات انابوليس، خصوصا في ظل"القصور الذاتي"للرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت وغرقهما في مشاكلهما الداخلية ومحاولات كتل في الطرفين ضرب قرارات انابوليس، اضافة الى ما تردد اخيرا عن احتمال شن عملية عسكرية اسرائيلية واسعة في قطاع غزة. ولأن التاريخ الحديث شهد تجارب تفاوضية سابقة فاشلة، يصبح السؤال المطروح حاليا هو: كيف نتجنب اخطاء مفاوضات سابقة مثل كمب ديفيد وطابا وقبلها اوسلو ومدريد؟ وما هي محددات نجاح المفاوضات المقبلة؟ وفي هذا الصدد، اوضح مسؤول اميركي ل"الحياة"ان الفرق بين مؤتمر انابوليس والتجارب التفاوضية السابقة يكمن في مجموعة من المسائل، في مقدمها وجود قيادة معتدلة في الاراضي الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس الذي يؤمن بالتسوية السلمية ويعارض العمل المسلح، في وقت وصلت القيادة الاسرائيلية الى مرحلة من الاقتناع بحل الدولتين الفلسطينية والاسرائيلية اللتين تعيشان جنبا الى جنب. ومن وجهة نظر المسؤول الاميركي الذي رفض كشف اسمه، فإن مفهوما جديدا ل"ورقة الامن"في المفاوضات الاخيرة يعزز من فرص النجاح، علما ان قرارات انابوليس تطالب الفلسطينيين بتنفيذ التزاماتهم وفق المرحلة الاولى من"خريطة الطريق"التي تدعو الى مكافحة"الارهاب ووقف العنف"، في وقت يشرف المبعوث الاميركي كيث دايتون على اعادة هيكلة الاجهزة الامنية الفلسطينية وتدريبها وتسليحها. كما تنعكس الاولوية التي تعطى للامن في تعيين عسكري للاشراف على تنفيذ"خريطة الطريق"هو القائد السابق لقوات حلف شمال الاطلسي ناتو الجنرال جيمس جونز. ولفت المسؤول الاميركي الى ان المشاركة الاقليمية في مؤتمر انابوليس مختلفة، في اشارة الى المشاركة العربية الواسعة. وقال ان الدعم الاقليمي لعباس لم يحظ به الرئيس الراحل ياسر عرفات خلال مفاوضات كمب ديفيد التي رعاها الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون بين عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي في حينه ايهود باراك. وكانت هذه المفاوضات فشلت في التوصل الى اي نتيجة، فاتُفق على عقد لقاءات في طابا انتهت الى فشل أعقبه اندلاع انتفاضة الاقصى العام 2000. وتطرق المسؤول الاميركي الى البعد الاقتصادي لأنابوليس بقوله إن السلطة الفلسطينية بعد انابوليس ستحظى بدعم دولي لبناء اقتصادها ومؤسساتها وبناها التحتية سيتبدى خلال اجتماع الدول المانحة في باريس، كما في الخطط التي يعكف على وضعها مبعوث اللجنة الرباعية الدولية توني بلير، علما ان الاتحاد الاوروبي وضع ايضا"خطة عمل"لمساعدة السلطة الفلسطينية على النهوض الاقتصادي. من جانبه، قال مستشار الرئيس الفلسطيني نبيل شعث رداً على سؤال ل"الحياة"ان محددات نجاح المؤتمر هي آلية متابعة وجدول زمني ودعم دولي، مشيرا الى ان الفلسطينيين في مفاوضات سابقة لم تكن لديهم عملية متابعة للمفاوضات، في حين كان التدخل الدولي غائبا. ويرى مراقبون ان النظام الاقليمي مدعو الى ان يكون شريكا فاعلا في عملية صنع السلام، معتبرين ان واحدة من اهم ايجابيات المؤتمر هي عودة القرار الفلسطيني الى الساحة العربية، وهذا عنصر قوة للفلسطينيين. ويقترح البعض تشكيل آلية عربية لمتابعة اداء اسرائيل وتنفيذها التزاماتها، وان يرفع العرب صوتهم عالياً حين يحدث اي تراجع اسرائيلي في وعود وقف الاستيطان ورفع الحواجز ومصادرة الاراضي والاعتقال وغيرها من ممارسات الاحتلال. كما يقترحون تشكيل لجان اتصال مع جميع الاطراف، خصوصا الاميركي والمجتمع الدولي للتنسيق، وذلك حتى لا يتكرر التخاذل الذي حدث عندما دمرت اسرائيل اتفاق اوسلو من دون ان يتدخل احد لوقفها، وقبل ذلك في كمب ديفيد. ويرون أن على العرب الا يتركوا الاتفاق وحيداً.