قررت شركة "مايكروسوفت"، عملاقة برمجيات الكومبيوتر عالمياً مواكبة الطفرة التي تمر فيها منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً دول الخليج العربي، بمبادرة تعليمية. أعلنها نائب الرئيس العالمي للشركة علي فرماوي تعبيراً عن مدى الاهتمام الذي توليه"مايكروسوفت"للمنطقة. وتزامن اطلاق المباردة مع تجدّد الحديث عن قضية الاحتكار التي واجهتها الشركة العالمية على مدار السنوات الثلاث الماضية وخسرت الاستئناف فيها لمصلحة المفوضية الأوروبية أخيراً. وفي ردّه على سؤال"الحياة"، حرص نائب الرئيس على نفي أي علاقة بين المبادرة والانتصار الذي سجّلته المفوضية الأوروبية على مايكروسوفت في مسألة الاحتكار قبل بضعة أسابيع. والمعلوم أن محكمة من الدرجة الأولى تابعة ل"الاتحاد الأوروبي"أيدت أخيراً قرار المفوضية الأوروبية، الذي صدر في العام 2004، ودان الشركة الأميركية بممارسة الاحتكار، حكم عليها غرامة قدرها 497 مليون يورو /690 مليون دولار وتعتبر الأعلى في تاريخ قضايا الاحتكار. وكذلك رفضت معظم اعتراضات الشركة على القرار المذكور. ويتعلق الأمر بربط مايكروسوفت ببرنامج"ميديا بلاير"مع نظام التشغيل"ويندوز أكس بي"Windows XP، ما يمنع الشركات التي تعمل في مجال الموسيقى واشرطة الفيديو وغيرها من أنواع الترفيه الرقمي، من تشغيل برامجها على الكومبيوترات التي يُديرها نظام"اكس بي". وبالنظر إلى أن نظام"ويندوز"يدير أكثر من خمسة وتسعين في المئة من الحواسيب عالمياً، اعتبر عدد من شركات الموسيقى والترفيه أن ربط"ميديا بلاير"بنظام"ويندوز"يقصيها عملياً عن كومبيوترات الجمهور، ما اعتبرته استغلالاً لانتشار نظام"ويندوز"لممارسة احتكار في سوق الموسيقى والترفيه الرقميين. وفي العام 2004، أيدت المفوضية الأوروبية هذه الوجهة، وطالبت مايكروسوفت بجعل برنامج"ميديا بلاير"يعمل باستقلالية عن نظام"ويندوز"، وبأن تجعل ذلك النظام يقبل التعامل مع برامج شركات الترفيه الرقمي عبر إطلاع تلك الشركات على التفاصيل التقنية التي تتيح التواصل بين تلك البرامج ونظام"ويندوز". وكذلك هدّدت المفوضية مايكروسوفت، حينها، بدفع الغرامة القياسية المذكورة أعلاه إن لم تلتزم بذلك القرار، ثم أتبعتها بغرامة أخرى بقرابة 280 مليون يورو لأنها اعتبرت أن الشركة تُماطل في الالتزام بأنظمة منع الاحتكار. وبعدها، دخلت مايكروسوفت في منازعة قضائية مريرة مع المفوضية الأوروبية، ما ذكّر بمواقف مشابهة مرّت بها الشركة، وخصوصاً النزاع القضائي الذي خاضته إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون ضد الاحتكار الذي تمارسه الشركة في مجال برامج تصفح الانترنت. وفي السياق عينه، أعربت مفوضة الاتحاد الأوروبي للجنة شؤون الاحتكار نيلي كرويس، عن"رغبتها في رؤية مايكروسوفت تنال حصة أقل في سوق الكومبيوتر... لتصل إلى أقل من خمسين في المئة". وقد عانت أسهم الشركة هبوطاً ملحوظاً فور صدور القرار. التعليم أداة لتطوير مجتمع المعلومات خلال جولته الخليجية، حرص فرماوي على التأكيد أن الدورات التعليمية المجانية التي تطلقها مايكروسوفت اقليمياً ليست وسيلة لزيادة المبيعات، وإن لم ينف دور تلك البرامج والدورات التدريبية في حفز المبيعات في شكل غير مباشر. وفي المقابل، ركّز فرماوي على دور تلك المبادرات في تطوير مجتمع تقنية المعلومات والارتقاء بمهارات المستخدمين. وأشار أيضاً إلى دراسات تؤكد أن 70 في المئة من مستخدمي الكومبيوتر يتعاملون مع البرامج الجديدة بالطريقة ذاتها التي عملوا فيها مع البرامج القديمة بسبب عدم تطوير مهاراتهم. رفض فرماوي تحديد الكلفة الاقتصادية للمبادرة، لكنه أوضح أنها تشمل دول الخليج كافة، وأن"مايكروسوفت"تتحمل كل النفقات مهما بلغت قيمتها. وأوضح أن الشركة تستثمر ملايين الدولارات في برامج تعليمية مجانية، إضافة إلى مبالغ مماثلة تنفق في الأبحاث والتطوير. وشدّد على أن استثماراتها في المنطقة العربية"أكبر من أن تحصى لو أخذنا في الاعتبار الاستثمار في الموارد البشرية العربية التي تعمل بأعداد كبيرة في الشركة، سواء في أفرعها العربية أو مقارها العالمية، إضافة إلى عمليات التعريب للبرمجيات". وذكر ان هدف الدورات التدريبية"زيادة قدرة الناس في المنطقة على التعامل في شكل أفضل مع الكومبيوتر وأدوات التقنية الرقمية". وأوضح أن المشاركة في هذه المبادرات مفتوحة لكل الأعمار والمستويات الوظيفية، وأنها تنظم بالتنسيق مع شركات وجامعات ومؤسسات حكومية وخاصة في دول المنطقة. تطور البنية المعلوماتية خليجياً وأرجع فرماوي اطلاق المبادرة في منطقة الخليج حالياً إلى التطور الكبير الذي قطعته دول المنطقة في التحوّل صوب الاعمال الالكترونية، إضافة إلى تطوّر بنيتها في قطاعات الاتصالات وتقنية المعلومات. واعتبر أن تحرير قطاع الاتصالات في المنطقة"يُشكّل محركاً أساسياً للنمو، ويدفع باتجاه المزيد من التطور التقني ويحض على الأخذ بأحدث النظم في المجالات كافة". وجاء هذا الحديث لنائب رئيس مايكروسوفت قبل ساعات قليلة من إعلان الشركة قرارها عدم تقديم استئناف جديد ضد الحكم بكسر احتكارها للبرمجيات في القارة الاوروبية. وفي هذا الصدد، أكد فرماوي لل"الحياة"أن الشركة تنفذ حكم المحكمة الاوروبية منذ صدوره قبل ثلاث سنوات على رغم استئنافها الأول ضد الحكم. والمعلوم أن المحكمة الأوروبية رفضت الاستئناف في سياق قرارها الذي صدر في تموز يوليو الماضي. وأشار فرماوي إلى أن مايكروسوفت تسوق نظام التشغيل"ويندوز أكس بي"في شكلين أوروبياً، منذ صدور الحكم الأول. ويظهر ذلك النظام في أحد الشكلين مربوطاً مع برنامج"ميديا بلاير"، وهو البرنامج الذي أثار النزاع القضائي، فيما يغيب هذا الربط التقني بين المُكوّنين في الشكل الثاني. وأكّد أن الشركة تترك الخيار للمستهلك مشيراً الى تدني نسبة مبيعات الشكل الثاني بحسب ما تُظهره إحصاءات شركته. ورأى أن ذلك يؤكد أن مسألة النزاع القضائي مع الاتحاد الأوروبي ليست بهذا الحجم الكبير. وفي تعليقه على المبادرة التعليمية الجديدة، بيّن فرماوي انها"تهدف إلى تأهيل شعوب المنطقة عبر تزويدها بالمهارات المعلوماتية التي تمكنهم من تحقيق قدراتهم في التعامل مع تلك التكنولوجيا". وأوضح أن الشركة اختارت مناسبة انعقاد منتدى"المرأة العربية والمستقبل"في دبي لطرح مبادرتها"تعبيراً عن المسؤولية التي تبديها الشركة تجاه المجتمع، ويُقدم منهاج مايكروسوفت للتأهيل المعلوماتي مجموعة من المهارات المهمة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهو متوافر بالمجان لجميع المستفيدين من برامج ومبادرات مايكروسوفت، سواء كانوا رجالاً أم نساء، أطفالاً أم راشدين. ويتألف من خمسة مساقات مرنة متوفرة عبر واجهة تدريب على الإنترنت. وتضم المساقات: مبادئ الحاسوب، الإنترنت وشبكة"الويب"العالمية، برامج زيادة الإنتاجية، الأمن والخصوصية في الحاسوب، وأساليب الحياة الرقمية". وتخطط مايكروسوفت لإدخال منهاج للتأهيل المعلوماتي في مجموعة واسعة من المبادرات التي تراعي الاحتياجات المحلية. وبهذا الأسلوب يصبح منهاج مايكروسوفت للتأهيل المعلوماتي"أكثر قوةً وارتباطاً بالمستوى المحلي في مختلف الدول العربية أيضاً، وخصوصاً في السوق الناشئة التي تشهد توسعاً لافتاً في منطقة الخليج". وفي سياق متصل، صرح المدير العام لمايكروسوفت في الخليج شربل فاخوري ب"أن برنامج مايكروسوفت للتأهيل المعلوماتي صُمّم ليكون الخطوة الأولى في مسيرة طويلة الأمد. ونهدف إلى بناء روابط بين المتدربين في برنامج مايكروسوفت للتأهيل المعلوماتي وبرامج التدريب التالية المناسبة لهم مثل"أكاديمية مايكروسوفت لتكنولوجيا المعلومات"و"شركاء في التعلّم"و"برامج التدريب التجاري حسب الحاجة"وغيرها... إن ذلك يبني مساراً للارتقاء التعليمي، ما يمكّن من تطوير المهارات المناسبة للوظائف التقنية المتزايدة، ويضمن دوام التطور والنمو". وكذلك أكد مسؤول البرامج الاستراتيجية والتنمية في مايكروسوفت الخليج زكي خوري أنه"بإطلاق برنامج مايكروسوفت للتأهيل المعلوماتي، سنتمكن من الدخول والتأثير على حياة كل فرد من أفراد شعوب منطقة الخليج، وذلك عبر زيادة مشاركاتنا وإسهاماتنا إلى مستويات جديدة". وأنفقت شركة مايكروسوفت في الخليج هذا العام حوالى 3 ملايين درهم على برامج التنمية الوطنية وتتضمن تنفيذ 12 برنامجاً. كما توفر منهاجاً تدريبياً على قرص مدمج، مخصصاً لمن لا يملكون اتصالاً قوياً مع الانترنت. وتتوافر الدورة حالياً باللغة الإنكليزية، وسيتم طرحها في الأسابيع المقبلة باللغة العربية.