تبدو الصحافة النقدية السينمائية المتلفزة، أحياناً، في أزمة تعبير عن نفسها أكثر مما هي عليه شقيقتها المكتوبة، فالصورة مضطرة في بعض الأحيان على ما يبدو ان تكشف أجمل ما في هذه الصنعة من أسرار، وبالتالي تمهد للكشف عن بعض الغموض الذي يكتنف الطريق الى الافلام التي تتحدث عنها والذي يكون ضرورياً أحياناً، وهو ما يجب ان يترك للمشاهد كي يعود بصره وبصيرته في كشف ما هو مغلق ومستتر فيها. ما يقودنا الى هذه المقدمة التي لا تبدو ضرورية للوهلة الأولى هو برنامج"سينيه ماغازين"الذي تبثه قناة"الحرة"، ففي الحلقة الاخيرة منه قدمت عائشة الدوري منتجة البرنامج ومقدمته كشفاً توضيحياً بهذا المأزق وعبرت عنه خير تعبير من طريق استضافتها مخرجين اثنين ليتحدثا عن فيلميهما الجديدين، فكان الضيف الاول هو المخرج بريان دي بالما الذي تحدث مطولاً وبأدب جم عن فيلمه الجديد"ديداكتد"، وهذا على ما يبدو دفع المقدمة الى"جره"نحو عملية كشف لم تكن ضرورية في مثل حالته، وبخاصة بعد ان عرفنا انه صوره في الاردن بعد حصوله هناك على كل الامكانات اللازمة لتحقيقه. وبالطبع هذه أمور بديهية يمكن ان تفيد في شكل من الاشكال لجهة تكوين رأي بصدد ما يدور من حول المشاهد المهتم، ولكن المأزق الذي تحدده لنا هذه الصحافة المتلفزة السريعة، وهذا بعض طبيعتها على ما يبدو، هو ان تكشف مثلاً وعلى لسان المخرج ان بنية فيلمه التي استقاها من مدونات جنود أميركيين شاركوا في الحرب على العراق ما هي الا بنية فيلم وثائقي مزيف، بالضبط كما دفعته المقدمة الى هناك كي يكشف لها عن هويته حتى انه لم تعد امام المشاهد فرصة للادعاء بأنه يشاهد فيلماً مزيفاً من باب التبعيد، فيما لو استنجدنا ببريخت ليحل لنا هذه المعضلة في التقديم على انه وفي الحلقة نفسها من البرنامج قامت الدوري باستضافة المخرج اللبناني فيليب عرقتنجي ليتحدث بدوره عن فيلمه الوثائقي الجديد"تحت القصف"الذي يدور حول حرب الصيف الماضي على لبنان. تحدث عرقتنجي عن تجربته مع هذا الفيلم، وكيف ان الفكرة راودته وهو لم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره، وكونه لم يمتلك الخبرة الكافية لتنفيذ فكرته التي تراجع عنها، أي أنه تراجع عن فكرة ادخال عنصر تمثيلي في بنية فيلم وثائقي كما في حال فيلمه الجديد. ولكن ها هي الفرصة تؤاتيه الآن بعد ان أصبح يمتلك، خلفه، أربعين فيلماً وثائقياً، كي ينفذ فكرته ويقوم بإدخال الممثلة اللبنانية ندى بو فرحات في فيلمه الوثائقي، وكذا الحال بالنسبة الى الممثل جورج خباز. وأضاف عرقتنجي إنه لم يصور من الحرب التي استمرت ثلاثة وثلاثين يوماً الا يوماً واحداً، والباقي كله تم تصويره بعد انتهاء الحرب. يبدو برنامج"سينيه ماغازين"في حالتي بالما وعرقتنجي، وكأنه يقدم نفسه شاهداً على"زيف فيلمين"اذ قرر ان يختط هذه الطريقة في التقديم. ومن يدري ربما لو جاءت هذه الافكار مكتوبة لما خلقت هذا الانطباع، أو لما خرجنا بانطباع مفاده ان التلفزيون بوسعه احياناً ان يهتك بعض اسرار هذا الفن التي لا ينفع الكشف عنها مسبقاً، ولا يكون بعد ذلك على المشاهد ان يحاول تفكيك بعض ما هو ملغز وضروري لهذه الافلام لا يعود هذا ضرورياً ابداً في حالة"شينيه ماغازين".