بينما مرّ فوز فيلم "يوميات بيروت" بجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان "سينما شاشات آسيا المحيط الهادئ" مرور الكرام على الشاشات العربية، تحتفي اليوم شبكة "سي أن أن" بهذا الوثائقي من خلال استضافة مخرجته السينمائية الفلسطينية اللبنانية مي المصري وعرض حفلة توزيع الجوائز في برنامج"مشهد مشهد". لماذا تهتم"سي أن أن"بهذا الحدث، وتغفله القنوات العربية؟ الجواب ليس صعباً. ففي بلادنا لا يزال الفيلم الوثائقي أقل مرتبة من الفيلم الروائي. أما في حساب الربح والخسارة، فترجح كفة الخسارة. وحجة المحطات الفضائية التجارية أن المشاهد سيدير جهاز تلفزيونه الى شاشة أخرى، ما إن تعرض فيلماً من هذا النوع. من هنا، لا يعود مستغرباً أن نقول إن أفلام مي المصري عرضت على الشاشات الغربية أكثر مما عرضت على الشاشات العربية. نشوة الفوز هذا الواقع لا يقلق ميّ حالياً، فهي لا تزال تحت نشوة الانتصار، كما يبدو في حديثها الى"الحياة"، ثم إنها تحقق أفلاماً سينمائية، أما بالنسبة الى العروض التلفزيونية لهذه الأفلام، فتكتفي مي بالشاشات العربية القليلة التي تسير عكس التيار، من خلال برمجة بعضها أفلاماً وثائقية في شكل دوري في خريطة برامجها، أو تفرد إحداها بهذا النوع من الإنتاج السينمائي. تقول مي:"لا يمكن أن أعبر عن سعادتي الكبيرة بهذا الفوز، خصوصاً أن هذه الجائزة تعادل جوائز الأوسكار في أستراليا. أضيفي الى ذلك أن حفلة توزيع الجوائز حضرتها شخصيات تمثل أكثر من 30 بلداً، بينهم سفيرا مصر ولبنان في أستراليا. ولا أنسى كلمات السفير اللبناني الذي هنأني وقال لي:"لقد رفعت رأسنا عالياً". وتضيف:"بعد الفوز تهافتت الصحافة الغربية لإجراء المقابلات معي. حتى أن"سي أن أن"، تخصص اليوم برنامج"مشهد مشهد"للحديث عن الفيلم، كما يدلّ اسم البرنامج، مشهداً مشهداً. وهو امر يسعدني جداً، لأن صوت شباب لبنان سيُسمع على شاشة مثل"سي أن أن"...". ومعروف أن هذا البرنامج العريق الذي يستعيد صيغة لبرنامج شهير آخر تبثه ال"بي بي سي"، يتعامل مع أهم الأعمال السينمائية ومخرجيها من خلال عرض مشاهد من أفلامهم وتحليلها في حضورهم. صوت الشباب أو زعيمهم؟ في"يوميات بيروت"يعلو صوت الشباب اللبناني فوق أي صوت آخر. على الأقل، هذا ما أرادته المخرجة يوم حملت كاميرتها الى جانب زوجها السينمائي اللبناني جان شمعون، ووُجهتهما شباب"مخيم الحرية"الذي أقيم وسط بيروت للمطالبة بشعار واحد هو"حرية، سيادة، استقلال". أكثر من ستين يوماً قضتها مي في المخيم الذي جمع قوى"14 آذار"، والمحرّك ألم انتقال بيروت من الاستقرار الى الفوضى مجدداً. كعادتها لم تهتم مخرجة"أطفال جبل النار"و"أطفال شاتيلا"و"أحلام المنفى"إلا بالمهمشين والبسطاء. من هنا أرادت أن تركز على شريحة الشباب الذين لم يعيشوا إلا انكسار الأحلام وموت القضايا الكبرى. لكنها، سرعان ما اصطدمت بواقع لا يسرّ. كل شباب"مخيم الحرية"لا ينطقون إلا بلسان زعيمهم وطائفتهم واحزابهم، الى درجة يعرف معها المشاهد اللبناني انتماء هؤلاء ما أن ينطقوا كلماتهم الأولى أمام الكاميرا. كل هذا لم يحلّ دون خروج فيلم يستحق أن يشاهد، وتتهافت عليه الشاشات الصغيرة. صحيح مي المصري، المحبة الدائمة للشاشة الكبيرة، حققت"يوميات بيروت"لهذه الشاشة، والجوائز التي نالتها عنه يغلب عليها الطابع السينمائي... ومع هذا، إذا نظرنا الى الموضوع من زاوية التكريم الذي تخصه"سي أن أن"لهذه الفنانة، سنعطي الحق لكل اولئك النقاد الذين بات يصعب عليهم أكثر وأكثر أن يجدوا فوارق كبيرة بين الشاشتين.