يجتهد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في كسب قلوب أبناء المنطقة العربية الذين يحرص دائماً على مخاطبتهم ودغدغة مشاعرهم، بوصفهم"شعوب المنطقة"، هو الذي نادراً ما توجه الى الحكومات، إلا لتوبيخها أو نصحها، أو تحذيرها من"الشيطان"الأميركي. يجتهد أحمدي نجاد في اللعب على مشاعر المظلومين لأنهم مسلمون أولاً، وفي إيران جمهورية إسلامية تتحدى"الشرير"الأميركي، طموحها امبراطورية مسلّحة بالطاقة النووية، من اجل السلام فقط... وعلى العرب المسلمين في المنطقة الإصغاء الى نصائحها وإرشاداتها، وإلا... يجتهد نجاد مطمئنّاً الى خيارات"ندّه"الرئيس جورج بوش الذي تنصّل من"بروباغندا"إعلامية، تروّج لسيناريوات ضربة أميركية لإيران، من اجل انتزاع مخالبها النووية. بذلك، يثير سيد البيت الأبيض مزيداً من الريبة التي تنشرها إيران فيما"تلقّن"شعوب المنطقة وحكوماتها ما عليها ان تفعل لتقرير مصائرها"من دون تدخل الأجنبي"! وإن لم يكن ما تفعله طهران في السر والعلن تدخلاً، فما عساه يكون ولو بالكلام المعسول الذي يقطر لهفة على مصالح العرب، لكأنهم مجرد أجرام في فلك امبراطورية المرشد الزاحفة الى قلب منطقتهم، لمواجهة"الشرير الأميركي"ومشروعه. وكلما وعدنا احمدي نجاد ب"تحرير"نا، ارتعدت قلوب العقلاء من الآتي الأعظم. فالإرشادات تأتي من بعيد، اما"المنازلات"ففي عقر ديار العرب وبعض أوطانهم الممزقة أشلاء، بين الأوصياء والجواسيس، والتي تحولت ساحات للجثث، وفيالق المخابرات الجوّالة. أبشِروا، لن تقر لأحمدي نجاد عين قبل تحرير كل فلسطين. سيقودكم الى"الكفاح"قسراً للتخلص من"الصهاينة"، أبشِروا، هاكم نموذج غزة كياناً ممانعاً، على جثث أهل فلسطين. هو يقرر مصيرهم ومصيرنا، ببساطة لأن المرشد على يمينه، و"الحرس الثوري"على يساره، والمنطقة العربية ساحة أجرامٍ في الفلك الأمبراطوري. اكتشف نجاد ان لهتلر وجهاً أسود، غطس مجدداً في بحر"المحرقة"، فيما العرب يعيشون محارقهم: جوع وحصار في غزة وقتل بأيد اسرائيلية وفلسطينية، مذابح وتقتيل في العراق برصاص الاحتلال والميليشيات والعصابات، وأصابع الخارج المشبوهة. أما في لبنان الذي بات على شرفة محرقته، فاكتشفوا ان ضحايا الاغتيالات هم اعداء إسرائيل، بعدما تنازعوا طويلاً على جنس العدو. سيقال حتماً الكثير من باب التنديد مجدداً بكل شعوبية، ولكن، لما تبقى من عقول قرب القلوب المأسورة بالوهج الأمبراطوري الصاعد، يجدر طرح اسئلة: - إذا كانت كوريا الشمالية رضخت لنزع أسنانها النووية، أي ريبة وراء تشبث ايران بتحدي العالم وأميركا، وأي ريبة وراء إصرار بوش على عقوبات بالتقسيط، فيما الخليج العربي كله في خريطة ميزان قوى جديد إذا امتلكت ايران قنبلتها النووية؟ - من خرّب اتفاق مكة، وضلّل حركة"حماس"، تحت مظلة إسقاط"الشرق الأوسط الجديد"؟ - لماذا يصعّد نجاد مستعيداً مقولة"محو"إسرائيل أو نقلها"من منطقتنا"، كلما لاحت بوادر لتحريك مسار المفاوضات الفلسطيني؟ - إذا كان مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي ووزير الخارجية هوشيار زيباري يتحدثان عن دور سلبي لإيران في العراق، هل يمكن ان يبرئها العرب؟ وأيهما افضل لطهران، بغداد قوية مجدداً أم عاصمة رهينة بين جدران العزل المذهبي؟ وعلى هامش كل تلك الأسئلة، ربما لا يزال هناك مَن يذكر ان ايران - احمدي نجاد"الثائرة"على الاحتلالات ووجوهها القبيحة، لا تسمح حتى بذكر قضية احتلال الجزر الثلاث الإماراتية. اما مسألة التيار المعارض في ايران لسياسات نجاد وعنترياته في الملف النووي وغيره، فلا تقنع عاقلاً، فيما تبدو أصوات الإصلاحيين خافتةً من ماضٍ سحيق، ولا تتجاوز انتقادات رفسنجاني لنهج الحكم وتطرفه، غمزَ الليل الذي يمحوه النهار. والأهم مع عنتريات نجاد الذي لا يرى في المنطقة حكومات مسؤولة عن مصالح شعوبها، أن صوتاً واحداً لم يعلُ في طهران لاستهجان دور الناطق باسم العرب ومصالحهم، وامبراطورية الوصايات الزاحفة باسم دحر"الشر".