غرقت ايران في اجواء انتخابات الرئاسة المقررة في 14 حزيران (يونيو) المقبل. ستدور المعركة داخل النظام وتحت السقف المرسوم لها. المفاجآت الكبرى ليست واردة. ثمة آليات صارمة تمنع تسلل من لا يستهل معركته بإعلان الولاء الكامل للثورة ومبادئها. وما يجب ألا يغيب عن البال هو حدود صلاحيات الرئيس. انه الرجل الابرز تحت مظلة المرشد الذي يحتفظ لنفسه بالكلمة الاخيرة في شؤون الدفاع والامن والسياسة الخارجية والاعلام. ويدرك جميع المرشحين ان السياسات الكبرى ترسم في مكتب المرشد وليس في مكتب الرئيس. لعل اهمية الانتخابات الايرانية تأتي مما افرزته الانتخابات الرئاسية الاميركية الاخيرة. ودّعت اميركا جورج بوش بما يستحق واختارت تعبيرا عن غضبها منه رجلاً يحمل وعد التغيير في الداخل والخارج. ولا يفوتنا أن نقول إن بوش الذي اثار قلق ايران ومخاوفها قدم لها برعونته وتهوره ومن دون ان يقصد هديتين استثنائيتين هما اسقاط نظام طالبان المعادي لها في افغانستان واسقاط نظام صدام حسين الذي حوّل البوابة الشرقية سداً في وجهها. وبعد سقوط هذا السد اندفعت ايران لترابط على المتوسط ولتنتزع حضورا لها في غزة. كان يمكن للانتخابات الرئاسية الايرانية ان تكون عادية جدا لولا اشارات التغيير التي يطلقها اوباما. الادارة الاميركية الحالية اختارت الديبلوماسية طريقا لفتح الحوار مع ايران. ليست معنية بتغيير النظام الايراني ولا تدرج هذه المهمة بين اهدافها. لا تمانع في اضطلاع ايران بدور اقليمي بارز لكن شرط ان تكف طهران عن سياسة زعزعة الاستقرار وتسليح «حماس» و «حزب الله». المطلوب تغيير في السلوك وليس اسقاط «الجمهورية الاسلامية». يفترض حتى الآن ان يجد الناخب الايراني نفسه امام اربعة اسماء بارزة. محمود احمدي نجاد. ومهدي كروبي «شيخ الاصلاحات» والرئيس السابق لمجلس الشورى. ومير حسين موسوي الذي يحظى بدعم الرئيس السابق محمد خاتمي. ومحسن رضائي المحافظ والقائد السابق للحرس الثوري. يشترك المتنافسون الاربعة في الدفاع عن حق ايران في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية والذي يبدو انه تحول حلما قوميا يصعب التراجع عنه. لكن منافسي نجاد يعبّرون وبدرجات متفاوتة عن مخاطر استمرار نهجه الاقتصادي في الداخل واسلوبه في السياسة الخارجية الذي دفع ايران الى نوع من العزلة الدولية. في الشق الاقتصادي يقول المنافسون وبدرجات متفاوتة إن سياسة احمدي نجاد ادت الى زيادة التضخم وارتفاع عدد العاطلين عن العمل ووسعت الهوة بين الفقراء والاغنياء. وفي السياسة الخارجية يعتبرون ان مواقف من نوع إنكار المحرقة وشطب اسرائيل من الخريطة ادت الى قيام جبهة دولية مناهضة لايران او معادية لها. وواضح من كلام بعض المنافسين انهم يدعون الى عدم تفويت فرصة استعداد اميركا للتحاور مع ايران على قاعدة الاحترام والمصالح. ان السؤال الذي يطرح نفسه هو بماذا سيفكر الناخب الايراني حين يتوجه الى مركز الاقتراع. هل سيحاسب احمدي نجاد على سياسته الاقتصادية ونتائجها ام سيقترع لمصلحة القبضة التي رفعها في وجه «الشيطان الاكبر»؟. هل سيعتبر ان ساعة التفاوض حانت فعلا وانه آن الأوان لتعود ايران دولة طبيعية صاحبة دور في الاقليم من دون ان تسعى الى قلب المعادلات فيه وان تكون دولة تلتزم المعايير الدولية في السلوك والتخاطب وتعتبر ازدهارها ضمانة استقرارها؟ بين المراقبين من يعتقد ان مصير احمدي نجاد معلق بإرادة المرشد القادر على لعب دور الناخب الاكبر. ولان الشيء بالشيء يذكر. بماذا سيفكر الناخب الكويتي حين يتوجه الى صناديق الاقتراع في 16 ايار (مايو) الحالي وهل من حقه ان ينسى ان البلاد استهلكت في ثلاث سنوات ثلاثة برلمانات وخمس حكومات ما اعطى الانطباع بأن الديموقراطية الكويتية صارت مرادفة للشلل؟ وبماذا يفكر الناخب اللبناني في 7 حزيران حين يذهب لانتخاب البرلمان الجديد؟ هل يستخلص العبر من الشلل والتعطيل والازمات والجنازات ام يجدد للظروف التي انتجت هذه الويلات مجتمعة فيبقى لبنان ساحة للأحلام الباهظة والأوهام القاتلة؟