المزاج الشعبي الإيراني لم يتغير. المزاج الشعبي الإيراني مثل أمزجة بقية شعوب المنطقة. شعوب المنطقة تهوى العنتريات والجعجعة وصد المد الامبريالي والمتاجرة بأحلام الناس البسطاء. الشعب الإيراني المليء حقداً على قوى الاستكبار، اختار احمدي نجاد لكونه الأكثر جعجعة ضد الولاياتالمتحدة والغرب والصهيونية العالمية، وخذل المنافس الأقوى في انتخابات الرئاسة الإيرانية مير حسين موسوي بفارق كبير في الأصوات، علماً بأن موسوي ابن شرعي للثورة الإسلامية الإيرانية، وأشاد به المرشد الأعلى علي خامنئي ومدح أداءه عندما كان رئيساً للوزارة في بدايات الثورة، ومع ذلك خذل المزاج الإيراني الإصلاحي موسوي. الشعب الإيراني (ربما) يرى أن الوقت يمضي سريعاً أمام مشروع إمبراطورية فارس، لهذا اختار الإيرانيون أحمدي نجاد الأكثر عناداً بين المرشحين، على أمل أن يختصر نجاد الوقت المتبقي لتحقيق الحلم النووي الإيراني الذي يمهد بدوره لإقامة «إمبراطورية الأجداد» على أرض اختلطت فيها الأعراق لدرجة أصبح العنصر الفارسي فيها يشكل أقل من النصف. مير موسوي وأنصاره من أمثال خاتمي ورفسنجاني وكروبي وجليلي وغيرهم، ليس بإمكانهم تغيير المشهد السياسي الإيراني المتماسك بقوة الأجهزة الأمنية التي يقودها أنصار نجاد بمظاهرة في طهران وأخرى في أصفهان أو تبريز، ليس لأن مفاتيح السلطة والأمن والجيش بيد تيار نجاد المتشدد، بل لأن الذين صوتوا لنجاد في الانتخابات أضعاف الذين صوتوا للمرشحين الآخرين، يضاف إلى ذلك دعم المرشد الأعلى والمراجع الدينية للرئيس نجاد، وهو دعم كاف لإسقاط الخصوم في وحل الهزيمة ودفع البلاد إلى التمسك بخيار الناخبين أياً كان، خوفاً على جوهر الثورة ومبادئ الإمام الخميني، وهي المبادئ التي تعهد نجاد بحمايتها من التآكل. هنا تكمن قوة نجاد. الشارع الإيراني الذي يريد تحريكه موسوي ضد المتشددين، انتهى مع بدايات الثورة الإسلامية سنة 1979. ثلاثة عقود من الزمن، هي عمر الثورة الإيرانية، وهي عقود كفيلة بطمس العقل الإيراني المنفتح على العالم، وتحويله إلى عقل آحادي التفكير وغير قادر على الخروج من عمامته، أضف إلى ذلك الحرب العراقية – الإيرانية ومآسيها وتردي الأوضاع المعيشية وانهيار الاقتصاد الوطني الإيراني وتزايد أعداد الفقراء، كل هذه العوامل تدفع بالناخب الإيراني إلى التطرف في خياره، وهذا ما حصل في الانتخابات الأخيرة، إذ اختار الإيرانيون أحمدي نجاد وهم يدركون أنه يقودهم إلى الانتحار، لكنهم اختاروه، ليس لأنه الأجدر، بل لأن ليس لدى الناخبين الإيرانيين الفقراء، وهم الغالبية، ما يخسرونه. أحمدي نجاد يدرك أن فترته الأولى ضاعفت أعداد الفقراء وأن عدد الذين هم تحت خط الفقر تجاوز خمسة ملايين نسمة في عموم البلاد، لهذا ركز حملته الانتخابية في الأحياء الفقيرة جنوبطهران، بينما تركزت حملة موسوي على أحياء شمال طهران الغنية. فاز أحمدي نجاد لأنه خاطب الفقراء ونزل إليهم في أحيائهم وأعطاهم، وهو يدرك أنهم في ازدياد، الإحساس الذي يريدونه، وقطع لهم وعوداً بتحسين أوضاعهم المعيشية بعد بناء كيانهم السياسي القوي، والتلميح مراراً والتصريح تكراراً بأن الأمة الفارسية مستهدفة من قوى الاستكبار، وأوحى لهم أن موسوي يخاطب الأغنياء لأنه يريد أن يحكم البلاد بأموالهم ومصالحهم، وهو ما يؤدي إلى تزايد الفجوات بين طبقات المجتمع الإيراني. صحيح أن أنصار موسوي تظاهروا في بروكسل وباريس وأمام البيت الأبيض في واشنطن، وأكثر من ذلك أنهم تظاهروا في قلب طهران. موسوي وأنصاره، أصبحوا غصة في حلق النظام السياسي في إيران، وأصبح الأوصياء على الثورة الإسلامية الإيرانية ينظرون إلى موسوي على أنه جزء من مؤامرة دولية ضد النظام في إيران، وهي مؤامرة يرى المرشد ونجاد وبعض المتشددين أن وراءها أميركا وبريطانيا وأجهزة استخبارات عالمية، ويرون أن التصعيد الذي يقوده موسوي يدفع باتجاه أن تفكر الحكومة باعتقاله كما اعتقلت خمسة من كبار المسؤولين الإصلاحيين ووضعت فائزة رفسنجاني تحت الإقامة الجبرية قبل أن تعتقل خمسة من أفراد عائلتها. إذا حصل ذلك وقعت الكارثة.