"عليك التوجه إلى منطقة الغدير حيث قد تجد منزلاً للإيجار". هذه نصيحة باتت تقليدية هذه الأيام في بغداد حيث تنتشر أعمال التهجير"على الهوية"، وقد تتلقاها أي عائلة سنية أو شيعية هجرت منطقتها الأصلية. فالغدير، التي كانت منطقة مسيحية بالكامل قبل ثلاث سنوات، أصبحت الآن ملتقى نادراً لعائلات من مذاهب وأديان مختلفة يجمع بينها عامل مشترك هو النزوح عن ديارها رغماً عنها. وسط حي الغدير، تجاور عائلة"أبو كرار"الشيعية عائلة"أبو أحمد"السنية، ولكل منهما حكاية دفعت العائلة في النهاية الى الاستقرار في هذه المنطقة. يقول"أبو كرار"59 عاماً، الذي تتكون عائلته من ستة أشخاص،"كنا نسكن في حي السيدية في جانب الكرخ من بغداد، وبعد شهور من التهديدات والابتزاز الذي نتعرض اليه على أيدي المسلحين هناك، توجهنا الى منطقة أبو دشير الشيعية جنوب الدورة واستأجرنا منزلاً هناك". إلا أن العائلة لم تستطع أن تعمّر طويلاً في"أبو دشير"، كما يؤكد"أبو كرار"،"ضقنا ذرعاً بقذائف الهاون التي تتساقط في شكل شبه يومي على المنطقة، علاوة على السيارات المفخخة التي تستهدفها وكذلك خطورة شوارع الدورة". "نصحنا بعض الأقارب بالتوجه الى منطقة الغدير التي ما زالت تحتفظ بعامل الاختلاط المذهبي بين عائلاتها. وبالفعل، وجدنا الحياة هناك طبيعية ومستقرة، لكننا لم نستطع أن نجد منزلاً للبيع، فاستأجرنا شقة تعود إلى إحدى العائلات المسيحية التي هاجرت الى أوروبا، كما هو حال غالبية المسيحيين العراقيين". أما عائلة"أبو أحمد"، فلها حكاية مشابهة، إذ نزحت من منطقة الحرية الشيعية شمال بغداد مطلع العام الماضي، وسكنت حي الجامعة القريب لشهور، لكن حادث خطف"سمير"، الابن الأصغر في العائلة، جعلها تبحث عن مكان آخر. يقول"أبو أحمد":"اعتقدنا بأن التوجه الى منطقة تماثل هويتها الطائفة التي ينتمي اليها يضمن لنا العيش في أمان. ويبدو أننا كنا مخطئين". ويضيف أن"حي الغدير الذي نسكن فيه الآن هو أكثر أحياء بغداد أمناً واستقراراً، والسبب في ذلك هو أن سكانه يمثلون خليطاً من السنة والشيعة والمسيحيين". ويجاور حي الغدير حي زيونة"ذات الغالبية السنية"ومنطقتي بغداد الجديدة والبلديات الشيعيتين، ويلجأ سكان هذه المناطق الى الغدير للتسوق والتنزه بعدما اضطربت مناطقهم بفعل المواجهات المسلحة. ويلاحظ في"الغدير"ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات باستمرار في ظل هجرة سكانها الأصليين من المسيحيين إلى الدول الأوروبية، ورفضهم بيع منازلهم وتفضيلهم تأجيرها بمبالغ عالية جداً. وتؤكد"أم داني"المسيحية التي حصلت على لجوء مع عائلتها الى السويد، أنها لا بد أن تعود يوماً إلى العراق حيث تريد الاقامة في بيتها. ولهذا السبب، رفضت بيعه و"طلبت مبلغاً كبيراً من المستأجر". وفرض العنف الطائفي الذي اجتاح أحياء بغداد واقعاً لم يشهده التاريخ المعاصر للعاصمة، إذ نزح السنة إلى مناطق صافية مذهبياً، وكذا فعل سكان بغداد الشيعة، فيما هاجر مئات الآلاف من الأهالي ليحل محلهم سكان جدد قدموا من محافظات أخرى. وتؤكد التقارير أن هؤلاء النازحين باتوا يشكلون عصب الميليشيات والجماعات المسلحة. وبخلاف أحياء بغداد، تبقى أسواق حي الغدير ومحلاتها مفتوحة حتى ساعات متأخرة من الليل. وهذا الحي هو الوحيد الذي تخلو شوارعه من حواجز كونكريتية تغص بها حالياً شوارع العاصمة. ويمثل انفجار سيارة مفخخة في"الغدير"أثناء فرحة الأهالي هناك بفوز المنتخب العراقي بكأس آسيا، حادثاً استثنائياً في الحي خلف عشرات القتلى والجرحى.