ثمة مغالطة في العنوان، كما يشير الفتى الذي يرفض ذكر اسمه كاملاً. فهو لا يأبه بأن يحمل النقود كمصروف يومي، أي"خَرْجيّة"، كما يقولون في لبنان، يتصرّف بها في المدرسة، مثل بقية زملائه. ودليله على ذلك، أنه عند رجوعه من الدكان حاملاً الأغراض، التي تطلبها أمّه، أو جدّته، يعطيها المبلغ المتبقّي قبل أن ينزل الأكياس من يديه. وحدث، ذات مرّة، أن انتبه إلى أن المبلغ الذي يحمله ناقص، بعد أن اشترى الحاجيات. فتركها في الدكان، وعاد إلى أمه ليستكمل المجموع، ويدفعه كاملاً قبل أن يأتي بالأغراض. وذلك على رغم إلحاح صاحب الدكّان، الذي يعرفه جيّداً، بأن يعود مرة أخرى ويدفع له الفارق. وفي أحيان قليلة، لا يمانع هذا التلميذ المجتهد بأن يأخذ"خَرْجيّة"، إلى المدرسة أو عندما يخرج مع أصدقائه إلى محل الكومبيوتر. ولكنّه غالباً ما يعود مدّخراً قسطاً منها، يخبّئه في"قجّة"حصّالة نقود، وهي علبة حلوى معدنية فارغة. وهو يفضّل الادّخار لتجميع مبالغ أكبر يشتري بها أشياء"حَرْزانة"، أي ذات قيمة، كلعبة كومبيوتر أو فيلم فيديو أو كتاب أو سيارات مصغّرة تشبه السيارات الحقيقية في تفاصيلها. وهذه الأخيرة هي المفضّلة لديه حتى الآن. ويبرّر موقفه الرافض لحمل النقود، بأن والديه، وجدّته بخاصة، لا يبخلون عليه، ويشترون له كل ما يحتاجه للدرس أو التثقيف أو الحياة. وعندما يرفضون شراء شيء يرغب في اقتنائه، هو يعرف تماماً أن رفضهم لا يعني أكثر من تأجيل الشراء إلى موعد آخر، لأسباب بات يعرفها ويتفهّمها. ولأنه يستطيع الحصول على المال متى أراد، لا يشعر بأنه في حاجة إلى مصروف يومي، ولا يغار من زملائه الذين يحصلون على"الخرجيّة". وعندما يقرع جرس"الفرصة"في الملعب، يهرع زملاؤه إلى دكان المدرسة أو مطعمها مقصفها، ويضيّعون وقت الاستراحة، بين حشد كثيف من المطالبين بمنقوشة أو عصير... وفي الأثناء، يجلس مع زملاء آخرين، مثله، يأكلون سندويشات حملوها من البيت. ويلاحظ أن من بين زملائه، من حملة"الخرجيّة"، من يكثر أحاديثه عن المال وأهميته. وبعضهم يتباهى بالمبلغ الذي يحصل عليه من أهله، خصوصاً عندما يسحب محفظته من جيبه، ويشرع في عدّ النقود على مرأى من الآخرين. وبعضهم الآخر يُطلق نوعاً من التحدّي بأنه يستطيع شراء الأغلى. ولكنّه أخذ يلاحظ أن تصرّفهم هذا قد خفّ كثيراً، مع ارتفاعهم إلى صفوف أعلى، خصوصاً أن مدرسته بدأت، منذ نحو السنتين، تحظّر خوض الأحاديث في السياسة والدين والمال... وثمة تلاميذ لا يكترثون للمال، ولكنّهم يطالبون أهلهم بمصروف يومي، ليدّخروا ويلبّوا رغباتهم لاحقاً. و"الخرجيّة"هي بمثابة"ضمانة"لهؤلاء، كما يرى الفتى، في حال لم يلبّ الأهل رغباتهم. وهو لا يمانع في إعارة زملاء أو أصدقاء واقعين في"ضيقة"، بعض المال، شرط أن لا يكون المبلغ الذي يصادف أنه يحمله، لتأمين حاجة ما، أو للإضافة على مدّخراته. ولا يشعر بالحرج من موقف زميله"المكسوف". ويشرح سلوكه هذا بمفرداته، قائلاً:"ما بعطي حدا من"الريزيرف"، لأنني أنزعج كثيراً إذا كنت أفكّر في مشروع ما، وأفقد المال الذي أخصصه له". * جاكوب ، تلميذ في الثالثة عشرة.