عندما كنت في المرحلة الابتدائية اهدتني والدتي علبة معدنية مزخرفة قالت لي انها "حصالة" ، لم اكن اعرف ماذا يعني هذا الاسم، ولكن وفقا لشرح والدتي فهمت انها تعنى بجمع باقي مصروفي، ورغم قلته ولثقتي بشرحها كنت اضع فيها بقايا مصروفي المدرسي اليومي ، كنت احاول جاهدة توفير أي مبلغ فكلما ازداد وزن "الحصالة " ازدادت سعادتي ، وبعد مضي عام واكثر اصبحت اواجه صعوبة في ادخال الريالات داخلها ... هنا اقترح علي شقيقي أن نفتحها ونحصي كم استطعت أن اجمع من المال ، ورغم اصراره رفضت الاقتراح فلست بحاجة إلى المبلغ في ذلك الوقت والحل الامثل كان من وجهة نظري ان نشتري "حصالة " أخرى وهو ما حدث ، ومع مرور الأيام اصبح عدد " الحصالات " يزداد ويزداد.. مع مرور السنين ، تأصلت فيني عادة الادخار فما زالت فكرة عدم شراء الزائد او ما لا احتاجه ترافقني دائما ، حتى عندما انتقلت للدراسة في الولاياتالمتحدة ، هنا وجدت الاهتمام الكبير من قبل العديد من الأسر باقتناء أدوات ليساعدون أطفالهم على الادخار ، سواء كانت " حصالات " كما كان لدي او صناديق صغيرة ، الأمر يتعدى ذلك لدرجة تصبح فيه "الحصالة" البسيطة من اجمل وافضل الهدايا التي تقدم لافراد الاسرة خصوصا الاطفال ، فالأسر تحرص على اقتنائها لكونها تعودهم على الاهتمام بالضروريات مما يربي في الطفل ثقافة الادخار وتزيد من وعيهم الاقتصادي بما يدور حولهم. ربما ساهم الوضع الاقتصادي العالمي العام بانتشار هذه " الحصالات " في البيوت الغربيةوالأمريكية بصفة خاصة ، فالمواطن الأمريكي لا يتنازل عن تلك القطع النقدية الصغيرة من سنتات، مما يدفعه دائما للاحتفاظ بوعاء كبير في الغالب في غرفة المعيشة لجمع هذه القطع الصغيرة ، الأمر تعدى المواطن البسيط فحتى البنوك الكبيرة تعي دورها تجاه هذه القطع المعدنية فتوفر للعميل أجهزة خاصة لإيداع هذه النقود في حسابه الخاص.. هذه الثقافة تتطور مع الطفل وتنشئ معه ، ففي الغالب تجد الشاب او العائلة الأمريكية تملك وعاءً أو حصالة لجمع المال لمشاريع مستقبلة ففي البيت الأمريكي تنتشر "وعاء التعليم الجامعي"، "وعاء الإجازة" و"وعاء الزواج". "الحصالة " وإن اختلفت مسمياتها او اشكالها لها تاريخ طويل فمنذ قديم الزمان فكر الإنسان في خزن حاجاته وخصوصا الغذائية منها لمواجهة المجاعة وكان له ذلك بتكديسه للسلع وما نجم عنه من تضحية بالاستهلاك الفوري جعلت من الإنسان كائنا مدخرا، ومع تطور المعيشة وتطور فكر الإنسان حل المال في نهاية المطاف بدلا عن المؤونة المخزونة عن طريق حفظ قطع معدنية في علب خاصة ، ويرى البعض ان هذه كانت بداية "الحصالات" النقدية التي يتخطى تاريخها ألفي سنة، ويعتقد المؤرخون ان وجد أقدم نموذج من العلب كان في آسيا الصغرى في بلدة بريين القديمة وتعود إلى القرن الأول أو الثاني قبل الميلاد كما وجدت مجموعة رائعة تعود إلى العصر الروماني (القرون الثلاثة بعد الميلاد) في جنوب ايطاليا وفي المنطقة الواقعة غرب نهر الراين في ألمانيا ومعظمها مصنوع من الطين. ل "الحصالة " ثقافة ورمزية خاصة بها، فالأشكال الأولى منها كانت كروية الشكل نسبة إلى نهد الآم كرمز للخير والعطاء، أما بالنسبة لصناعتها فمنذ العصور الوسطى إلى أوائل القرن السابع عشر لم صصمت وصنعت وفقا لحاجة استعمالها فكانت الحصالات الكبيرة والصغيرة والصناديق والخزائن الحديد والبراميل الخشبية وكانت هذه الحصالات تصنع في القرنين الخامس عشر والسادس عشر من الحديد المطاوع أو من صفائح الحديد وكانت في بعض الأحيان تطلى بالألوان أو تبطن بالجلد أو الخشب وكانت تغلق بإقفال متينة ومزخرفة بعناية وفي معظم الصناديق كنت تجد حول شق القفل داخل الغطاء سلاسل صغيرة أو ربطا جلدية صممت لتمنع المال من السقوط وهكذا لم تقتصر هذه الحصالات على حفظ المدخرات وإنما كانت تحميها من السرقة أيضاوكان للحصالات دور يتسم بالطابع الجماعي كانت هذه الصناديق تستعمل كمكان أمين لتخبئة الثروات الخاصة التي كانت شركات الحرفيين والتجار تضعها جانبا وكخزائن حديد لمساعدة الفقراء والأرامل والأيتام ضمن مجتمع معين ولتوزيع الصدقات والهبات على دور العبادة. وازداد عدد الحصالات سريعا في القرن التاسع عشر فقد عزز العصر الصناعي هذه التجارة ، مما انعكس سلبا على أسعار هذه السلع ، ومع ما شهده العالم من تقلبات تجارية أدت إلى ظهور طبقة من الفقراء ظهر اشكال وانواع جديدة من " الحصالات " تحافظ على نفس الفكرة بإسعار أقل فاصبحنا نشاهد انواعا تحمل اشكال حيوانات، اليوم تستطيع ان تطلب عبر البريد الالكتروني من المصانع الصينية المتخصصة في صناعة التحف او الايطالية او البلجيكية.. صناعة حصالتك الخاصة.. وبالشكل الذي تريده.. واذكر بالمناسبة ان حرفي الاحساء (الفخاريون) يصنعون حصالات فخارية بسيطة تباع بمبالغ بسيطة.. وتجد عليها اقبالا كبيرا من قبل زوار الاحساء وعلى الاخص الاجانب.. في الوقت الذي يعاني فيه البيت السعودي من انتشار هذه الثقافة البسيطة..!!