يدخل الاولاد إلى المدرسة. يؤمن لهم الاهل كل ما يحتاجون إليه من كتب ودفاتر وأقلام ومساطر... ولا تنتهي الطلبات. ولعل أبرزها المصروف الخاص اليومي لشراء السكاكر و"الشيبس" والمناقيش الخ... ويحار الاهل، فتكثر الاسئلة: في اي عمر يجدر بالولد أن يحصل على مصروف خاص؟ وإذا أمنّا له هذا المصروف، هل يعرف كيف يتصرف به؟ وهل يشتري أشياء تضر بصحته؟ وإذا رفضنا رفضاً قاطعاً هل ينعكس ذلك على نفسيته وشخصيته؟ جوسلين الراعي، والدة أنطوان 6 سنوات تقول إنها تعطيه مصروفاً بسيطاً بين 500 و1500 ليرة لبنانية مرة واحدة في الاسبوع. "لم أشأ أن أرفض، علماً أن الفكرة لا تروق لي أبداً. خفت أن يغار من أصدقائه في الصف إذا كانوا يشترون. ربما ولّد له ذلك عقدة نقص. شرحت له، في هدوء، أنني مستعدة أن أرافقه إلى السوبرماركت لتأمين كل ما يحتاج إليه. وما زادني اقتناعاً في تصرفي ما أخبرتني به والدة أحد رفاق انطوان في المدرسة. فهي رفضت نهائياً إعطاء ابنها مالاً ليشتري مثل سائر الأولاد، فادعى في اليوم التالي أن المعلمة طلبت منهم مالاً لشراء مستلزمات للصف. استوضحت الأم الادارة لتكتشف أن ابنها كذب عليها وأنه صرف المال على حاجات شخصية. وأناحساسة جداً حيال موضوع المال. أخاف أن يعتقد أنطوان أننا في ضيقة مثلاً، وأننا لا نستطيع أن نؤمن له ما يحتاج إليه". اما الدكتور سايد، والد مارسيلا 6 اعوام، فيقول إنه يعطي ابنته كل يوم مبلغاً صغيراً 500 ليرة لبنانية. "لم ادخل معها في نقاش أو جدل في الموضوع. أنا ادرك تماماً أن الولد في هذا العمر لا يحتاج إلى مصروف شخصي، ولا يفهم معنى الاستقلالية. هو يطلب بدافع الغيرة من رفاقه. وأنا لا أحب أن تشعر ابنتي بالنقص. لماذا يشتري غيرها من دكان المدرسة، وهي ممنوعة من ذلك؟ علماً ان مارسيلا تأخذ كل ما تحتاج اليه من البيت: السندويش والشوكولا والعصير... وما يطمئننا اكثر، أنا ووالدتها، بما أننا طبيبا أسنان، أنها لا تشتري السكاكر الملونة وغيرها من الأشياء التي تضرّ بالصحة والأسنان". وبحسب رأي الدكتور سايد، فإن المدرسة تتحمل جزءاً من المشكلة. "مدارس اليوم تشجع التجارة. وأعطي مثلاً بسيطاً عن ذلك: عرضت المعلمة على الأولاد في صف ابنتي مجلة شهرية، الاشتراك فيها اختياري. طبعاً أصر كل التلامذة على الاشتراك. وعندما احتججت لدى مسؤولي الإدارة على الموضوع، اقترحوا عليّ أن أقنع ابنتي بعدم الاشتراك، إذ أن الموضوع غير الزامي. سكت طبعاً ورضخت لأوامر مارسيلا. فهل يحق لنا بعد أن نلوم الصغار إذا تشبهوا بالكبار، وهؤلاء هم الذين يرتكبون الأخطاء؟". وتقول الدكتورة ماري خوري طبيبة نفسية معالجة واستاذة جامعية: "لا يجدر ابداً بالأهل أن يعطوا مصروفاً لولدهم ما لم يبلغ العاشرة من العمر. فابن الأعوام الستة أو السبعة لا يفهم أساساً قيمة المال، ولا قدرة لديه على تصميم مشروع التصرف به. ولا يمكن الحديث هنا عن استقلالية الولد. على الاهل ان يقنعوه بكل هدوء أن لا ضرورة لمصروف خاص بعمره. وكلما كانت علاقة الثقة وطيدة بين الولد وأمه خصوصاً، اقتنع بسهولة أكبر". وتضيف خوري: "من الممكن ان تصطحبه الى المتجر وتؤمن له كل طلباته، ضمن حدود طبعاً. عليها أن تركز على الناحية الصحية، وأن تشرح له ما هو جيد لصحته وما هو مضر بها. أولاد اليوم أولاد مجتمعات استهلاكية تسيطر عليهم صور الإعلانات والدعايات التي تجمّل كل الأشياء، حتى ما هو مؤذ لصحتهم. ولا يجدر بالوالدين أن يرضخا لعناد ولدهما. عليهما أن يرفضا بحزم وألاّ يساوما ابداً. فأبشع ظاهرة نعيشها اليوم، ونعالجها نحن كأطباء نفسيين، هي ظاهرة الولد المستبد. وأحدث كتب في هذا المضمار، أنصح بقراءتها: "من الطفل الملك الى الطفل المستبد" و"المستبدون يعيشون بيننا". وإذا صعب على الأهل إقناع ولدهم، يمكنهم بكل بساطة أن يعوضوه بطريقة اخرى، بنزهة مثلاً، أو بنشاط رياضي... وأنا متأكدة من أن أي ولد سيقنع، وإلا تكون المشكلة من...الأهل!".