ما دور الفضائيات اليوم في تجديد روح الفن العربي؟ وما مسؤولياتها تجاه الفنانين العرب، مكرسين وشباباً طالعين؟ ثم، ما المهمة، أو المهمات، التي ينبغي أن تقوم بها الفضائيات، بوصفها وسيلة إعلام ومصدراً من مصادر ثقافة المشاهد، إزاء الفن والفنان، خصوصاً حين تكون هذه الفضائيات قائمة على أرض بلد، كالعراق، له تاريخه الفني العريق، وتتوجه الى مشاهدين تعنيهم الفنون بدرجة أو بأخرى؟ هذا السؤال، بتشعباته، أثاره أحد المثقفين العراقيين في جلسة ضمت أدباء وفنانين، وهم يشاهدون إحدى الفضائيات العربية أثناء تقديمها الصوت الغنائي العراقي الجديد رحمة رياض أحمد، التي - كما قال عنها أحد الحاضرين - لا فضل لفضائية عراقية أو مؤسسة حكومية في هذا البلد في اكتشافها وتقديمها الى الجمهور. وتحامل هذا المتحدث على العراق حين وصفه بأنه"أصبح بلداً طارداً للمواهب والكفاءات"، معرّجاً على الفضائيات العراقية التي قال"إنها فضائيات مبتلاة بما أبتلي به الواقع العراقي نفسه: سيادة الأمية الثقافية في حقول الثقافة المختلفة، وتمزق واقعه الاجتماعي، بفعل ما أشاعته الاحزاب والشخصيات الواردة إليه من الخارج، من تمزقات، وانشغال القائمين على هذه الفضائيات باكتشاف"الوجوه الجديدة"في من تقدمهم على انهم محللون سياسيون"وهم - بحسب حكم المتحدث - لا يفقهون في السياسة شيئاً، ولا يدركون الكيفية التي يتحرك بها عالم السياسة في هذا البلد. ورأى شاعر، كان من بين الحضور، أن الصورة اليوم تهتزّ:"صورة الحياة في هذا البلد، وصورة الانسان الذي أصبح دمه مستباحاً مثل دم طير في فلاة... وبالتالي ينعكس ذلك على صورة الفن بسبب جهلنا به وبقيمته الحضارية، وأهميته التاريخية في حياة الشعوب والأمم". وأكد ما يقوله بما نقل عن اجتماعات ضمت مجموعة من قادة العملية السياسية في العراق، والتي كانت مكرسة لتقاسم الوزارات وفاقاً لخطة المحاصصة، حيث وصف أحد هؤلاء وزارة الثقافة ب"وزارة الجمبارات"، في إشارة منه الى إحدى الآلات الايقاعية المستخدمة في الرقص الشعبي. وأضاف الشاعر متسائلاً:"ماذا يمكن أن ننتظر من أشخاص يحملون مثل هذا التصور القاصر عن الثقافة والفنون، ووزارتها؟". وأضاف ساخراً:"إنهم يعدون الفنون عيباً، وينظرون الى الفنانين، خصوصاً من هم في حقل الغناء والموسيقى، كما ينظرون الى حفلات الغجر التي لم يعرف الكثيرون منهم سواها في الاوساط الاجتماعية التي جاؤوا منها الى سدّة ال سياسة!". وتعقيباً على ما قاله الشاعر، رأى أحد وجوه الغناء العراقي الذي اعتزل الفن بعدما تردت النظرة اليه - كما قال - أن ظهور الفنانة الشابة رحمة إبنة زميله ورفيق فنه الراحل رياض أحمد من خلال فضائيات عربية، وليست عراقية، واعتمادها في تأكيد حضورها على ما سماه"الخارج"، لفتة ذكية منها، لأنها"بهذا التوجه عرفت الطريق التي تصل بينها وبين تحقيق طموحها الفني". إلاّ أن أحد الحاضرين لم يكتفِ، على ما يبدو، بما سمع فأعاد إثارة السؤال عن دور الفضائيات العراقية ومهماتها وواجباتها تجاه فناني العراق وفنونه والمواهب الجديدة الطالعة منه. فأجابه إعلامي على صلة بهذه الأوساط محدداً الشرخ الحاصل في هذه العلاقة:"من هذه الفضائيات ما عتّم، عن سابق قصدٍ وتصميم، على بعض الفنانين بعد اتهامهم ب"معارضة العملية السياسية الجارية في البلد"، مستندين في ذلك الى ما قدموا من أعمال تتساءل عما يجري في بلدهم من قتل وتدمير وحرق للمآثر، ليصبح هؤلاء الفنانون بحكم الممنوعين من الظهور على الشاشات، شأنهم شأن"المعارضين السياسيين"، وأكثر. ومن هذه الفضائيات ما يُحرّم الغناء والطرب ويرى فيه إفساداً للأخلاق العامة. ومنها فريق ثالث ليس بين العاملين فيه من يفهم في الفن أو يتابع شؤونه. وهذا كل ما في الأمر!".