إذا كانت ظروف العراق اضطرت عديد الفنانين والأدباء والمفكرين الى مغادرة بلدهم الى بلدان أخرى وفرت لهم الأمن والاستقرار النسبي... فإن ما يقوم به بعض الفضائيات العراقية من محاولات عقد الصلة بين «الداخل» و «المهجر»، شيء لا يمكن إلاّ الإقرار بأهميته... ونخص هنا ما يتصل بالجانب الثقافي حيث تتابع هذه الفضائيات النشاط الفني للفنانين العراقيين في مسارين رئيسين، وهما: مسار الفن التشكيلي... ومسار الموسيقى والغناء الذي لم يكن السائرون فيه بأفضل حالاً من التشكيليين وكبار الأدباء والمفكرين... فتنقل لنا هذه الفضائيات اطرافاً من نشاطاتهم «هناك»، حتى غدت الغالبية العظمى من مشاهدي الداخل تعقد صلتها بمن تعرف وتود أن تتابع من خلال التقارير التي تقدمها هذه القنوات عن نشاطاتهم ومنجزهم الجديد، كل في مجاله... إن المبدعين إذا كان قد عزّ عليهم أن يغادروا الوطن على هذا النحو فإنهم عمدوا الى كسر حاجز الغربة بممارسة هذه الفنون والتواصل بها في الأقل مع الجمهور المهاجر مثلهم... وفعلوا. ومن هنا أرادت الفضائيات أن تمد أسباب التواصل بينهم وبين جمهورهم الذي أدركته الغربة في داخل الوطن، فراحت تنقل له ما يتاح نقله، وتنقل معه صوراً لشرائح من الجمهور الذي كانوا، الى وقت قريب، جزءاً منه، وهو يتحدث الى هذا الفنان، أو عن فنه في «الموقع الجديد» مكاناً الذي قدم من خلاله، ليجد «جمهور الداخل» في ما يقدم له فرصته الوحيدة، والمتاحة، لمتابعة ما يجري «هناك»، ويشجيه حنين أصحابها الى مدارج أعمارهم، ويتطلع بلهفة وشوق الى رؤية أعمالهم. ويشجيه اكثر أن يجد الأحاديث معقودة بينهم وبين بعضهم وهم يلتقون، وإن لماماً، في ما تبقى من أماكن اللقاء، عما شاهدوه من جديد في معرض الفنان محمد مهر الدين وقد أقيم في عمان وليس في بغداد، والى أين وصل علاء بشير في أعماله التي تجمع بين الرسم والنحت في ما قدمه في معرضه الأخير في العاصمة البريطانية. كما تجد المهتمين بشؤون الموسيقى والغناء يتحدثون عن جديد الملحن طالب القرغولي وما أدخله في أعماله الجديدة على ما كان قدم «قبل الهجرة»... والى أين وصلت الفنانة أمل خضير في ما تقدمه من إعادة أداء للأغاني العراقية القديمة... كما يتساءلون عن جديد المطرب سعدون جابر... في الوقت ذاته يتساءل المشاهد عن أسباب غياب المسرح من فعاليات العراقيين المهجرين وهو يجد عدداً كبيراً من المسرحيين «هناك»... ويضيف: «هل انسحبت حال المسرح في الداخل على وضعه في الخارج فلم تعد لدى المسرحيين من «المقومات المساعدة» على النهوض بالحركة المسرحية؟». ويتساءل هذا المشاهد، والقلق يستبد به، عن «الوجوه الجديدة» التي يفترض بها أن تكون قد تكونت في السنوات الأخيرة، وقد كان يأمل أن يلتقي الجديد منها، وجوهاً وابداعاً، فلا يجد الشيء الذي يدفع به الى الاطمئنان على مستقبل هذا الفن العريق. ويضيف متسائلاً عما إذا كان التلفزيون سيكون، بالنسبة له وللأجيال التالية، بديلاً تعويضياً عن المسرح وقاعات عرض الفنون كما أصبح، بالنسبة لهذا المشاهد، بديلاً عن السينما وقد اندثرت قاعات عروضها في مدينته التي كانت، الى وقت قريب، توصف بكونها حاضرة ثقافة وفنون؟