أصدر محافظ البصرة قراراً بمصادرة مقر «الفرقة القومية للفنون» في المدينة، الذي شغلته الفرقة أكثر من ربع قرن، بدعوى أن «العراق دولة إسلامية»، بما يعني تعطيل دور هذه الفرقة التي تضم خمسة وسبعين فنانة وفناناً في مجالات المسرح والفنون الشعبية، بما فيها «الغناء البصري» ذو الخاصية اللحنية والأدائية المميزة، والرقص الشعبي الذي من أبرزه «رقصة الهيوة» التي تنفرد بها البصرة دون سواها من مدن العراق. ولم يستغرب مثقفون عراقيون كثر القرار الذي حوّل المبنى، بمسرحه وقاعات التدريب فيه، الى مقر لمجلس المحافظة (الذي يفترض أن يكون عمله تطوير واقع المدينة، بما فيها الفنون والآداب) واضعين الأمر في سياق ما لحق بالثقافة والفنون من إهمال واضح، ومن تهميش، ودليلهم على ذلك ما نقل عن زعيم إحدى الكتل السياسية - الدينية المشاركة في الحكم من رفض لأن تكون وزارة الثقافة ضمن «حصة كتلته» واصفاً إياها ب «وزارة الجمبارات»، في إشارة إستنكافية الى آلة إيقاعية تستخدم في الرقص الشعبي. ويعزز مثقفون عراقيون رأيهم بسلبية موقف السلطة وأحزابها الحاكمة من الثقافة والمثقفين بما يرونه من إهمال شبه كامل لوزارة الثقافة وأجهزتها بعدم تيسير مسلتزمات العمل الثقافي لها، كما يدّعي وزيرها الذي يشير بعض المثقفين الى أن نشاطه «الثقافي» الأكبر وتحركه الأوسع هما في السفر المتواصل الى خارج العراق بما لا يعود على الثقافة والمثقفين في البلد بشيء، مستثمراً في ما بقي له من «مدة الولاية» ما تتلقاه الوزارة من دعوات آتية من الخارج لتمثيلها في بعض المناسبات والنشاطات والمؤتمرات التي تعقد هنا أو هناك. في هذه الأثناء لم يعد في بغداد كلها سوى مسرح واحد هو المسرح الوطني الذي لا تقدم عليه إلاّ عروض الفرقة القومية للتمثيل، على قلتها، في حين أغلقت المسارح الأخرى في العاصمة، وأبرزها مسرح الرشيد... وأغلقت قاعات عرض الفنون التشكيلية التابعة للوزارة، وتعطلت المهرجانات والفعاليات الثقافية كافة، وتراجع مستوى ما بقي من مجلات ثقافية، على قلة عددها، كما تراجع مستوى الكتاب الصادر عن دار الشؤون الثقافية، كماً ونوعاً. وهذا ما يجد فيه المثقفون العراقيون كثر عملية سير حثيثة نحو إلغاء أي دور للمؤسسات الثقافية في البلد، وصولاً الى تعطيل دور المثقف في الحياة العامة.