سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مشكلات الصين المنزلية والخارجية في مرآة مؤتمر الحزب الشيوعي الحاكم . الانخراط في العولمة الاقتصادية والسياسية يرتب مسؤوليات تستثقل القيادة الحزبية الاضطلاع بها
غداة اختتام مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني السابع عشر، في 22 تشرين الأول أكتوبر الجاري، وإعلان الأعضاء التسعة في لجنة المكتب السياسي الدائمة، أعلنت بكين، في 24، إطلاق القمر الاصطناعي"تشانغ أي 1"في رحلة تدوم سنة كاملة. والقمر هذا هو الفصل الأول من برنامج يرمي الى إنزال مركبة غير مأهولة على سطح الكوكب القريب في 2012، وهي سنة مؤتمر الحزب الثامن عشر واختتام ولاية هوجينتاو، أمين عام الحزب الشيوعي الحاكم ورئيس جمهورية الصين الشعبية ورئيس اللجنة العسكرية المركزية "القائد العام"للجيش الصيني. وربما، على الأرجح، سنة، ابتداء ولاية خليفته. وهو أحد اثنين ضمهما المؤتمر، أي أقرانهما من ال150 عضواً نافذاً الذين تعدهم اللجنة المركزية، الى اللجنة الدائمة، الأول هو كزي اوهتسي جينبينغ، رئيس منظمة الحزب الشيوعي الصيني في اقليم شنغهاي البارز، ومرتبته هي السادسة بين الأقران المقدمين التسعة، والثاني هو لي كيكيانغ، رئيس منظمة إقليم لياو نينغ، ومرتبته السابعة، وهو صاحب المكانة الأثيرة والخطوة عند الرئيس الأول. وإطلاق القمر الاصطناعي، في أعقاب 38 - 39 سنة من نزول مركبة اميركية مأهولة على سطح القمر وهذا ما لن تبلغه الصين ربما إلا في 2017، اذا صدقت التوقعات، يراد به، وبتوقيته يومين بعد اختتام المؤتمر، تحقيق شعار الرئيس هوجينتاو الداعي الى تنمية الصين"تنمية علمية". وأقر المؤتمر الشعار العتيد بنداً في دستور الصين. فخلف"مبدأ التنمية العلمية""فكر ماوتسي تونغ"زعيم الثورة الشيوعية الصينية، وپ"التحديثات الأربعة"شعار دينغ شياو بينغ وصاحب إصلاحات 1978 الرأسمالية"الاشتراكية"، وپ"القيادات الثلاث"شعار جيانغ زيمين خليفة بينغ، ومضيف الرأسماليين في الحزب الشيوعي ومشركهم في القيادة. وحفر حفراً، وجنباً الى جنب مع المبادئ والأصول"الخالدة"التي يتناقلها الحزب الواحد والحاكم في مملكة وسط العالم. ويدون هذا في خانة نمو الاقتصاد الصيني النمو العظيم الذي ولد، فعلاً وحقيقة، من بطن العولمة فوق ما ولد من إصلاحات سلف هوجينتاو الأسبق، ورعاية سلفه السابق جيانغ زيمين طوال 13 سنة متصلة. وفي الباب الديبلوماسي والدولي، لم يكن حظ رأس الحزب الشيوعي الحاكم من التوفيق على مقدار حظه"العلمي"والتقني. فانفجرت أزمة بورما ميانمار السياسية والاستبدادية قبل انعقاد المؤتمر ببكين في 15 تشرين الأول، بنحو أسبوعين. وحال نزول الكهنة البوذيين الى الشوارع، أمرت القيادة العسكرية البورمية الحاكمة جنودها برمي المتظاهرين بالرصاص، فقتل المئات من المتظاهرين المسالمين، واقتيد الآلاف من صوامعهم ومعابدهم ومنازلهم الى معتقلات تحقيق واستجواب وتعذيب سرية. وانتبه مراقبون كثر الى وجوه الشبه بين حركة البوذيين ببورما وبين حركتهم المخنوقة والمقموعة في إقليم التيبت، الذي ضمته الصين الشيوعية قبل نحو نصف قرن، ونفت كاهن سلك كهنته الأعظم والأول، الدالاي لاما. وهو الكاهن الذي استقبله الرئيس الأميركي الثالث والأربعون في البيت الأبيض وخارج المكتب البيضاوي"الرمزي". وحين دعا شطر من هيئة الأمم، او المجتمع الدولي، الهيئة الدولية، ورأسها مجلس الأمن، الى إبداء الرأي في حركة"الشارع"البورمي، ارتأت بكين، العضو الدائم، ان يقتصر رأي مجلس الأمن على إبداء"أسفه"لحوادث رانغون الدامية. وبكين هي سند"طغمة"رانغون العسكري الاقتصادي والمالي، استيراداً وتصديراً، والديبلوماسي الى الهند. فلم يتعد مجلس الأمن الأسف الى الاستنكار فالإدانة. ولكن بكين دعت الشلة العسكرية القاتلة، من وجه آخر ديبلوماسي وخفي، الى مفاوضة السيدة اونغ سان سوتشي، قائدة الرابطة الوطنية من اجل الديموقراطية ببورما المعارضة، والملزمة إقامة جبرية طوال 12 سنة. والحادثتان، التقنية الاقتصادية والسياسية الديبلوماسية، هما مرآة تنازع الصين، او قيادتها السياسية والاقتصادية، ومحاولة القيادة هذه التأليف بين دواع ومصالح مختلفة من غير حسم واضح. فتخطط القيادة لإنجاز تقني وعلمي لا يتميز، على وجه الدقة، شطره التقني والاقتصادي من وجهه الدعاوي الإيديولوجي والعسكري الأمني. ففي النصف الأول من كانون الثاني يناير 2007، اختبرت بكين، على مرأى العالم ومسمعه، قصف قمر اصطناعي. وقصفها هذا كان نذيراً بعزمها على مراقبة فضائها المدني، والحؤول بين القوى الفضائية الكبيرة الأخرى وبين مدها عيناً فضولية و"طويلة"الى الفضاء الصيني، خلافاً للمبادئ والأصول التي أملت معاهدة"الأجواء المفتوحة". ولم تنفك السياسة الصينية المالية والعسكرية، في الأثناء، تتستر على النفقات العسكرية وحقيقتها. فتقر بكين بموازنة بلغت نحو 45 بليون دولار أميركي، في 2007. وزادت هذه الموازنة عن سابقتها نحو 18 في المئة. ولكن المراقبين مجمعون على ان ال45 بليون دولار هذه، وهي تنزل الصين المرتبة الثانية على سلم الموازنات العسكرية في العالم بعد الولاياتالمتحدة وموازنة هذه تبلغ نحو 13 ? 14 ضعفاً الموازنة الصينية، ليست إلا نصف الموازنة الفعلية، والنصف الآخر المستتر يدخل في أبواب مدنية ظاهرة، صناعية وتقنية وتجارية وجامعية تعليمية. والاشتباه أو الترجح الاقتصادي والسياسي يصبغ بصبغته السياسة الاقتصادية الداخلية على وجوهها المتفرقة. فالنمو الاقتصادي"الهائل"، على ما يصفه المراقبون، لم يحمل ساسة الصين، الى اليوم، على معالجة قضايا خطيرة وبارزة تترتب عليها نتائج عميقة في الميدانين الداخلي والدولي. فالاستهلاك الداخلي يقتصر إسهامه في تكوين الناتج الإجمالي على 48 في المئة. وتتأخر مرتبة الاستهلاك هذا عن الاستثمار والتصدير. ففي 2006، نمت التجارة الخارجية 24 في المئة عن العام السابق. وزاد الفائض التجاري 74 في المئة. وبلغ احتياطي النقد من العملات 1300 بليون دولار، وهو الاحتياطي الأول في العالم. وتنتهج السياسة الاقتصادية، على رغم بلوغ العجز التجاري الأميركي في المبادلات التجارية مع الصين 233 بليون دولار في السنة المنصرمة، نهجاً حمائياً. وتفرط المصارف الصينية، وهي لا تزال مصارف حكومية في معظمها، في التسليف غير المضمون. ولم يحصر اضطرابات بورصتي شنغهاي وشينزين، في شباط فبراير 2007، في نطاق ضيق إلا ضعف إسهام البورصات الصينية في الرسملة، واقتصار حصتها على واحد في المئة. وعلى خلاف اضطلاع السياسة الحكومية بحماية المرافق الضعيفة، ودوام الإشراف عليها من طريق إشراك لجان حزبية شيوعية في بعض مجالس إدارة شركات كبيرة، والتساهل في التسليف والإقراض، وتعمد تخزين الفوائض والإحجام عن التوزيع، والمضي على تسعير العملة المخفّض، تتردد السياسة نفسها في أداء دورها في مرافق عامة ومشتركة مثل التربية والتعليم، والسياسة الصحية، والضمان الاجتماعي وفروعه المختلفة. وتسهم السياسة الإعلامية والأمنية، وسيطرة الحزب على الدائرة المشتركة والعامة من العلاقات السياسية والاجتماعية، في خنق الاحتجاجات الشعبية على غرار تظاهرة اقليم هونان، في آذار/ مارس 2007، رداً على زيادة تعرفة النقل. ولا يترتب على القمع الإعلامي والاجتماعي تقوية قبضة الحزب على الحياة العامة وحسب، بل يخسر المجتمع الصيني وسيلة حيوية وتلقائية من وسائل الضبط والتعديل الاقتصاديين، على المستويين المحلي الجزئي والوطني العام. ولعل زعم الحزب"القائد"تولي رسم السياسة ومراقبتها، في آن، والحؤول بين الصينيين أنفسهم وبين مراقبتهم السياسة الحزبية، هو السبب الأول في تفشي الفساد والمحسوبية على نحو مَرَضي. فالعلاقات بين"الرفاق"، حين لا رقيب عليهم إلا من انفسهم، تنقلب حاضنة فساد وإفساد من العسير حصرها. وتعاقبُ حملات التطهير في صفوف الحزب العليا والمتوسطة والدنيا، وآخرها الحملة التي أطاحت رئيس الحزب السابق في إقليم شنغهاي، وإعدام نحو عشرة آلاف"مجرم"في السنة وهو رقم قياسي آخر تنفرد به الصين، ليس في وسعهما علاج المشكلات الناجمة عن الفساد، مثل بلوغ التسليفات الهالكة، نحو 900 بليون دولار تقر الحكومة بنحو 200 منها، أو مثل استهلاك المعامل والمرافق الصينية 4 الى 5 أضعاف كمية الطاقة التي تستهلكها اليابان لقاء المردود نفسه. فالفساد يفضي بدوره الى التبديد والتبذير ويشل عقلنة استعمال الموارد، على ما اختبرت الديكتاتورية الشيوعية السوفياتية الأمر طوال ثلاثة أرباع القرن. والنهج السياسي والاقتصادي الداخلي الذي تترتب عليه مشكلات تقلص الإنفاق الداخلي، وضمور النفقات الاجتماعية، واتساع الهوة بين الفئات واستشراء الفساد والقمع، وتقديم جمع الاحتياطي ومراكمته على سياسة توزيع أكثر عدلاً ومساواة وأقوى بعثاً على التوازن، هو نفسه النهج الذي ينفخ النشاط العارم في ثنايا الإنتاج، ويحفزه على التوسع في الداخل والخارج، ويصب الزيت على ناره الملتهبة. ويشكو نهج السياسة الصينية الدولية، على مثال الموقف من بورما، الترجح بين المراوغة والتخفف من معايير علاقات دولية تنزع الى التوحيد والتجانس وبين الفاعلية المواربة ومن طريق الخفاء. فبلوغ حصة التجارة الخارجية من الثروة الوطنية 50 في المئة اقتضى سياسة دولية لا تترك بقعة على وجه الأرض في وسعها مد الصين بمواد الطاقة أو الخامات او الموارد الزراعية، أو في مستطاعها شراء سلع مصنّعة في ميادين النسيج، أو الأجهزة الكهربائية البيئية، أو الهاتف النقال, أو المعلوماتية والإلكترونيات الجماهيرية، أو الأشغال العامة، أو البناء، أو بلداً يرغب في الاستثمار وتصدير السلع نصف المصنّعة جمعها وتركيبها في بلد تبلغ تكلفة اليد العامة فيه واحداً من عشرين الى خمسين من متوسط تكلفتها الغربي ? اقتضى ألا تترك السياسة الخارجية الصينية بلداً من هذه البلدان إلا ورمت مراسيها فيه، وفاوضته على صفقات محتملة. وفي سعيها المحموم إلى الأسواق، وحرصها على أمن تموينها ومصادر هذا التموين وطرقه ومواصلاته، وإرادتها حماية مواقعها الجديدة قوة إقليمية وعالمية، حين انها لم تتخلص من مخلفات انفصال تايوان عنها، ولا من بعض إرث الحربين الأولى والثانية، وفي هذا الإرث سطوع القوة الاقتصادية اليابانية وسبقها الصين بأشواط ? جمعت السياسة الخارجية الصينية معايير متضاربة. فانتشرت في آسيا الوسطى كازاخستان وتركمانستان بحثاً عن النفط والغاز، وفي أستراليا سعياً في المناجم ومواد التعدين، وفي افريقيا طلباً للاثنين، وفي أميركا اللاتينية وراء المنتجات الزراعية والخامات، واستوردت من روسيا أنابيب الغاز، وأرادت من أوروبا والولاياتالمتحدة فتح أسواقها المالية ووضع تقنيات توزيع الطاقة بين يدي الصين. وبادلت الصين البلدان هذه تجارة مثلثة في جوارها الآسيوي عاد بالازدهار على بلدان الجوار، وهي اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان في المرتبة الأولى، وبادلتها، كذلك، اسعاراً منخفضة، وتكلفة إدارة وخبرة ضئيلة قياساً على تكلفتهما الأوروبية أو الغربية. فانخرطت بكين في ديبلوماسية محورها دول"الجنوب". ويصفها بعض المراقبين بأنها مزيج من سياسة واقعية تقليدية وخطابة عالم ثالثية. فهي تدعو الى جبهة تربط بين البلدان المستعمرة سابقاً، وتلوّح بماضيها مستعمرة سامها المستعمرون الخسف والمهانة والتسلط، وتدعو إلى إرساء العلاقات الاقتصادية على ما تسميه"وين ? وين"، أي تقاسم الأرباح والمنافع. ومن وجه آخر، تسهر الصين على حماية طرق المواصلات ومصادر الطاقة. وتشترط السياسة المزدوجة هذه على أقرانها ترك الاعتراف بتايوان دولة صينية ثانية، وعرقلة حصول اليابان على مقعد دائم في مجلس الأمن ويترتب على هذا عرقلة إصلاح الأممالمتحدة وتطويرها. وفي خدمة سياستها الدولية، لا تتورع بكين عن بيع السلاح الى دول تمزقها المنازعات الأهلية، شأن انغولا وإثيوبيا والسودان وتشاد. ويقضي ما يصح ربما ان يسمى"إجماع بكين"، رداً على"إجماع واشنطن"الليبرالي، بالتملص من اشتراطات مراعاة حقوق الإنسان، ومحاربة الفساد، ورعاية البيئة، في العلاقات الديبلوماسية والتجارية الدولية. والسودان وبورما مثالان على هذا النهج. ولكن الصين، الى روسيا العضو الدائم الآخر في مجلس الأمن، تمد ظلها الديبلوماسي فوق سورية وإيران وزيمبابوي وشاطئ العاج. ففي مناقشة المسائل والمشكلات التي قد تعود على هذه البلدان بالتنديد والمحاسبة، تدعو الصين من غير كلل، ولا نظر الى النتائج، الى ترك التدخل في شؤون البلدان الداخلية على خلاف واجب التدخل، والحق فيه، حين انفجار ازمات تتهدد الشعوب بكوارث إنسانية، ورفض العقوبات في العلاقات الدولية. وسياسة مماشاة الأنظمة كلها، تتخفف من تحمل ثمن الإسهام في رعاية نظام دولي متماسك، وتلقي بثمن إصلاح النظام الدولي على عاتق الآخرين. ولا ريب في ان التذرع بنتائج السياسة الأميركية في العراق حجة قوية لا تترك الديبلوماسية فرصة من غير التلويح بها. وتلوح بنجاحاتها الجزئية، في المسألة الكورية بعد إخفاقها في الحؤول دون تفجير كوريا سلاحاً نووياً، وفي حمل السودان على استقبال قوة سلام مختلطة، هرباً من جبه المسائل الأخرى المعقدة. وعلى"الجبهتين": الاقتصادية والسياسية، الداخلية والخارجية، تتجنب القيادة الحزبية الصينية معالجة مترتبات تسلطها على الدولة والمجتمع الصينيين على رغم انقلابهما من حال الى حال. فما يوصف بالانفتاح، بينما الصين تستقبل السنة الأخيرة قبل دورة الألعاب الأولمبية في صيف 2008، لا يحصنه غير مصلحة القيادة في دوام اضطلاعها بمكانتها وسيطرتها. ولا تترك المصلحة هذه الغارب للاعقلانية متمادية، على ما ظهر في العقدين الأخيرين. ولكنها لا تقي، في الوقت نفسه، من الضلوع المتمادي في فوضى العالم ومآسيه. * كاتب لبناني.