كثّفت أنقرة مساعيها الديبلوماسية لإيجاد حل سلمي لأزمة نشاط "حزب العمال الكردستاني" في شمال العراق، إذ شدد وزير الخارجية التركي علي باباجان الذي يزور بغداد اليوم، على أن بلاده ستسعى إلى حلول سياسية قبل شن عملية في شمال العراق، وذلك في وقت بدأ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان زيارة إلى لندن تستغرق يومين ويشرح خلالها نيات الغزو. جاء ذلك في حين أقر الجيش التركي بفقد ثمانية من جنوده بعد اشتباكات دامية مع متمردين أكراد على الحدود الأحد الماضي كانت أسفرت أيضاً عن مقتل 12 جندياً تركياً و34 متمرداً كردياً، وفقاً لهيئة الأركان التركية. وفي أعقاب لقائه نظيره الكويتي الشيخ محمد صباح السالم الصباح، قال باباجان خلال مؤتمر صحافي"سنواصل جهودنا الديبلوماسية بكل النيات الحسنة لحل هذه المشكلة التي تسببها منظمة ارهابية، إلا أننا في النهاية، وفي حال لم نتوصل الى أي حلول، سيكون علينا اللجوء الى وسائل أخرى". وكان باباجان زار الكويت في اطار جولة عربية تهدف الى شرح خطط تركيا لمواجهة هجمات"العمال الكردستاني"عبر الحدود مع العراق. وتابع باباجان أن"حصولنا على تفويض من البرلمان، لا يعني أننا سنستخدمه فوراً. كلا، نفضل حلاً عبر الديبلوماسية والحوار، لكن عليكم أن تعلموا بأننا لن نتردد في استخدام هذا التفويض في حال اقتضى الأمر ذلك". وأفادت وكالة الأنباء الكويتية أن رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر محمد الاحمد الصباح التقى وزير الخارجية التركي في حضور نظيره الكويتي. وجاءت زيارة باباجان عشية اجتماع في الكويت لوزراء داخلية الدول المجاورة للعراق للبحث في سبل إرساء الاستقرار في هذا البلد. وفي بغداد، أكد مسؤول عراقي رفيع المستوى أن وزير الخارجية التركي سيزور بغداد اليوم الثلثاء لمناقشة أزمة"العمال الكردستاني"مع المسؤولين العراقيين. وبعدما نفى وزير الدفاع التركي وجدي غونول أنباء عن"أسر"جنود أتراك، أقر الجيش التركي بأن ثمانية من جنوده فُقدوا بعد اشتباكات الأحد الماضي قرب الحدود العراقية. وجاء في بيان لهيئة الاركان التركية أنه"على رغم كل عمليات البحث، إلا أنه لم يتسن الاتصال بثمانية عناصر فُقد الاتصال معهم". وكان"حزب العمال الكردستاني"أعلن أنه أسر ثمانية جنود بعد مكمن لوحدة عسكرية قُتل خلاله 12 جندياً تركياً. وأدرجت وكالة"فيرات"للأنباء ومقرها بروكسيل، ويُعتقد بأنها تابعة ل"العمال الكردستاني"أسماء سبعة جنود أتراك على موقعها على الانترنت، لافتة الى أنها ستكشف عن هوية الثامن في وقت لاحق. وفي لندن، حذر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في مقابلة مع صحيفة"ذي تايمز"من أن فشل الولاياتالمتحدة في التحرك ضد"العمال الكردستاني"يُهدد العلاقات الوثيقة بين واشنطن وانقرة. وقال أردوغان الذي بدأ زيارة مدتها يومان إلى بريطانيا أمس إن الحزب المتمرد يختبئ وراء الحكومتين الأميركية والعراقية ويستخدم أسلحة أميركية ضد القوات التركية. وأضاف أن القادة الأتراك تحدثوا قبل مقتل 12 جندياً تركياً الاحد الماضي"مع الرئيس الاميركي جورج بوش في خصوص هذه المسألة، إلا أننا لم نتلق أي نتيجة إيجابية". وكان مقتل الجنود الأكراد أثار مخاوف من توغل تركي عسكري وشيك في العراق، وهو ما تعارضه الولاياتالمتحدة بشدة. وقال أردوغان:"إذا وفر بلد مجاور المأوى الآمن للارهاب ... ولدينا حقوق بموجب القانون الدولي، فسنستخدم هذه الحقوق وليس علينا أن نحصل على إذن من أحد". إلا أنه اضاف أنه يمكن تجنب القيام بعمل عسكري إذا تحركت الولاياتالمتحدةوالعراقيون لطرد عناصر"حزب العمال الكردستاني". وتابع أن المشاعر المعادية للولايات المتحدة تتزايد حالياً في تركيا التي تعتبر حليفا أساسياً لواشنطن، وتوفر طريقاً مهماً للامدادات الأميركية الى العراق وأفغانستان. واتهم أردوغان الكونغرس الأميركي"بإطلاق رصاصة"على العلاقات التركية - الأميركية بتبنيه قراراً يصف مقتل الأرمن على أيدي العثمانيين في الحرب العالمية الأولى بأنه"عملية ابادة". وقال أردوغان إن"أميركا ربما خسرت صديقاً مهماً". وأكد كذلك أن الوجود الأميركي في العراق أثار استياء، مشيراً إلى أن واشنطن أخفقت في تحقيق أهدافها منذ غزو العراق في آذار مارس عام 2003. وقال:"لا أرى أي نجاح ... لا أرى سوى موت عشرات آلاف الاشخاص. هناك عراق انهارت بنيته التحتية ومؤسساته العليا بأكملها". ويلتقي أردوغان نظيره البريطاني غوردون براون اليوم الثلثاء لاجراء محادثات في خصوص تعزيز التعاون بين البلدين في القضايا الأمنية، وفي العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي، وفقاً لما أفاده مكتبه في 18 تشرين الاول اكتوبر الجاري. وتأتي زيارة أردوغان الى لندن بالتزامن مع اجتماع الرئيس التركي عبدالله غل مع رؤساء الأحزاب السياسية. وشدد بيان صدر في ختام هذا الاجتماع على تصميم أنقرة على التصدي للمتمردين المتحصنين في شمال العراق. وجاء في البيان أن"تركيا لن تتوانى عن دفع الثمن أياً كان، لحماية حقها ووحدتها غير القابلة للتجزئة ومواطنيها". وباشر غل استقبال قادة التشكيلات الممثلة في البرلمان، بدءاً بزعيم حزب الشعب الجمهوري دينيز بايكال، للتشديد على صون وحدة البلاد. يذكر أن 114 جندياً تركياً قُتلوا في أعمال عنف نُسبت الى"حزب العمال الكردستاني"الذي تعتبره أنقرةوواشنطن والاتحاد الاوروبي تنظيماً"ارهابياً"منذ صعّد هذا الحزب هجماته مطلع العام الحالي. وكان قادة المعارضة التركية طالبوا رئيس الوزراء بإصدار أوامر بشن عملية في العراق، غير أن أردوغان صرح بعد اجتماع أزمة مع القادة المدنيين والعسكريين بأن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس طلبت من أنقرة الانتظار بضعة أيام قبل اتخاذ أي قرار بالرد.