هذا اليوم الدولي يشكل من نواح عدة منعطفاً مهماً: فمنذ عشرين عاماً، أي في 17 تشرين الأول اكتوبر 1987، تجمع آلاف الأشخاص في ساحة حقوق الإنسان، بميدان "تروكاديرو" في باريس، كي يعبروا برسائلهم وشهاداتهم عن رفضهم الفقر وعن تضامنهم مع ضحاياه. ومنذ خمسة عشر عاماً أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه الحركة بإعلانها يوم 17 تشرين الأول اليوم الدولي للقضاء على الفقر. فأين نحن اليوم؟ من المؤكد ان الأرقام تظهر، في ختام عقد الأممالمتحدة العالمي الأول للقضاء على الفقر 1997 - 2006، حدوث تقدم مهم على الصعيد العالمي. فمكافحة الفقر باتت تندرج الآن في صميم جهود الحكومات والمنظمات الدولية: ففي أعقاب الألفية، تعهد رؤساء دول وحكومات 189 بلداً خفض عدد من يرزحون تحت وطأة الفقر بمقدار النصف بحلول عام 2015. غير اننا نجد في شتى أرجاء العالم ان الفئات الأشد ضعفاً ما زال يتهددها شبح الإفقار المطرد، إن لم تكن تواجه بالفعل العوز او الاستبعاد. فما زال نحو مليار نسمة يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، وما زال واحد من كل أربعة راشدين يعاني من الأمية، وتشكل النساء ثلثي هذا العدد، وما زال نحو 50 الف نسمة يفقدون حياتهم كل يوم جراء البؤس. غير اننا نملك الوسائل الكفيلة بتغيير هذا الوضع. ومن اجل تغيير هذا الوضع بالتحديد، توجه حملة الأممالمتحدة للألفية، التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2002، بمناسبة هذا اليوم الدولي، نداء من اجل تعبئة المجتمع الدولي، بما فيه المجتمع المدني، على نطاق واسع كي يتسنى لملايين الأشخاص في كل أنحاء العالم ان يُسمعوا الجميع أصواتهم المؤيدة للأهداف الإنمائية للألفية. وإنني أؤيد هذه المبادرة تأييداً تاماً: فالموعد النهائي المحدد لتحقيق الهدف، وهو عام 2015، يزداد اقتراباً وليس امامنا وقت نفقده في هذه المعركة: فعلينا ان نضمن بقاء الأهداف الإنمائية للألفية في صدارة أولويات الدول الأعضاء، واستمرارها في توجيه عملنا وعمل شركائنا في المجتمع المدني في سبيل مكافحة ما يمثل مساساً غير مقبول بحقوق الإنسان وكرامته. وبالنسبة الى اليونسكو، توافق هذه السنة ايضاً انتهاء الاستراتيجية المتوسطة الأجل للفترة 2002 - 2007 التي أدرجت فيها المنظمة القضاء على الفقر، ولا سيما الفقر المدقع، كموضوع رئيسي يتخلل برامجها جميعاً. وساندت المنظمة، من خلال اتباع أسلوب متعدد التخصصات تجسد في نحو 40 مشروعاً رائداً تتصل بكل مجالات اختصاصها، رسم السياسات العامة للتنمية والتعاون وفقاً لنهج يتمحور حول حقوق الإنسان بصفته أداة لمكافحة الفقر. وسيظل هذا الأسلوب المتعدد التخصصات يوجه استراتيجية المنظمة اثناء السنوات الست المقبلة. ومن خلال السعي الى توفير التعليم للفئات الأشد ضعفاً، وصون التراث الثقافي والطبيعي حرصاً على تحقيق التنمية المستدامة، وتأمين انتفاع الفئات الأقل حظاً بالمعلومات لكسر عزلتها، وتسخير العلوم والتكنولوجيا والابتكار لخدمة مجتمعات المعرفة الاستيعابية، وستواصل المنظمة إدراج مكافحة الفقر في صميم عملها، وستسعى الى تقديم إسهام ملموس في تحقيق أهداف الألفية. إن هذا اليوم الدولي يمنحنا مرة أخرى الفرصة كي نعلن رفضنا القوي للبؤس. * المدير العام لليونيسكو