سارع مسؤولون أميركيون أمس إلى الاتصال بأنقرة، لاحتواء المأزق في العلاقات الأميركية - التركية، على خلفية تبني لجنة في الكونغرس مشروع قرار رمزي، يصنف أعمال القتل التي طاولت الأرمن في الحرب العالمية الأولى مجزرة جماعية، متجاهلاً تحذيرات البيت الأبيض والحكومة التركية من تداعيات قرار مماثل على العلاقات الثنائية والمصالح الأميركية في المنطقة. وتجاهل الكونغرس سيل المطالب التي أطلقها الرئيس جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس ووزير الدفاع روبرت غيتس، أول من أمس، بعدم تبني القرار الرقم 106 والذي يهيئ لاعتبار أعمال القتل التي طاولت الأرمن بين 1915 و1923"ابادة"ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية، ويدعو الى"تغيير الموقف الأميركي الرسمي، واعتبار هذه الأعمال مجزرة جماعية". وصوّتت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب بأكثرية 27 صوتاً لمصلحة القرار، فيما عارضه 21 نائباً. وترفض أنقرة تصنيف المأساة إبادة جماعية، وتعتبر أن عمليات القتل استهدفت الجانبين التركي والأرمني، ونظراً الى وقوف الأرمن مع روسيا في الحرب العالمية الأولى. جاء التصويت بعد أقل من ساعتين على اعتبار بوش أن النص الذي كان يناقشه الكونغرس"ليس الرد السليم على أعمال القتل الجماعية التاريخية هذه"، وإنما، على العكس،"يلحق تبنيه ضرراً كبيراً بعلاقاتنا مع حليف أساسي في حلف شمال الأطلسي، والحرب العالمية على الإرهاب". وحذرت رايس بعد لقائها غيتس من أن تبني القرار من شأنه إثارة"إشكالية كبيرة"و"مشكلات جمة حقاً لكل ما نحاول فعله في الشرق الأوسط، لأننا نعتمد بشدة في جهودنا على مساعدة تركيا كحليف استراتيجي مخلص". وكانت رايس تشير الى خطر أن تمنع تركيا المحاذية للعراق، الوصول الى قاعدة استراتيجية يستخدمها الأميركيون. وأشار غيتس الى ان نحو 70 في المئة من الشحنات المخصصة للقوات الأميركية في العراق تمر عبر تركيا. وأعلنت الخارجية لاحقاً عن اتصال مرتقب لرايس برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان"للتعبير عن رفض الإدارة الأميركية هذا النص". وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية شون ماكورماك، إن"الادارة تستمر في معارضتها الحادة هذا القرار الذي لا يمكن الا ان يسمم العلاقات بين الولاياتالمتحدةوتركيا والمصالح الأميركية في أوروبا والشرق الأوسط". لكن لجنة العلاقات الخارجية، عبر تصويتها على القرار، ستهيئ لطرحه على مجلس النواب قبل آخر السنة، حيث يتوقع إقراره بغالبية الأصوات، اذ يدعمه اليوم 225 نائباً، أي أكثر من نصف أعضاء المجلس. ويعطي التصويت كلمة الفصل لمجموعات الضغط واللوبي الأرمني في الولاياتالمتحدة، والمرتكز في ولايات ميشيغن وكاليفولانيا ونيو جيرسي، والذي نجح في ايصال القانون الى أروقة الكونغرس، على رغم الحملة المضادة من السفارة التركية في واشنطن، والتي أنفقت أكثر من 300 ألف دولار في الشهور الثلاثة الأخيرة لتمويل حملة علاقات عامة ومنع الوصول الى هذه النقطة. وعلى رغم أن القانون غير ملزم في نصه للبيت الأبيض، لكنه يزيد الضغوط على تركيا لاعتبار المأساة إبادة وتقديم تعويضات لعائلات الضحايا. ونددت الحكومة التركية بقرار لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، وأصدرت بياناً طالبت فيه رئيسة مجلس الشيوخ الأميركي، نانسي بيلوسي، عدم طرح القانون على الكونغرس،"لأن ذلك سيكون تصرفاً غير مسؤول، يفسد العلاقات بين دولتين صديقتين". جاء ذلك فيما اعتبر الرئيس التركي عبدالله غل أن الكونغرس"ضحى"بقضايا ومصالح كبيرة"في سبيل ألاعيب ومصالح ضيقة"، مشيراً إلى أن القرار المتخذ"لا يعني للشعب التركي ولا قيمة له". في غضون ذلك، عزز الأمن التركي تواجده في محيط السفارة والقنصليات الأميركية في تركيا في اسطنبولوأنقرة وأضنة، تحسباً لأي رد فعل غاضب محتمل. في بروكسيل أ ف ب، أبدى الرئيس الأرميني روبرت كوتشاريان"ترحيبه"بتبني لجنة في الكونغرس الأميركي نص الاعتراف بتعرض الأرمن ل"إبادة". وقال كوتشاريان في مؤتمر صحافي في بروكسيل:"نرحب بهذا القرار... ونأمل في ان يقود الى اعتراف كامل من قبل الولاياتالمتحدة بتداعيات الإبادة". وأضاف:"لا أحد في العالم يشكك في الأحداث التي وقعت في 1915", مضيفاً:"اذا كانت هناك دول ترفض الاعتراف بالإبادة على مستوى حكوماتها, فالسبب هو تجنب تأزيم علاقاتها مع تركيا". وتابع:"كون ان تركيا ترفض الاعتراف بالإبادة فذلك لا يسمح لها بإرغام دول أخرى على ان تنكر بدورها الحقيقة التاريخية".