يحتاج تعزيز قوة الولاياتالمتحدة ومكانتها الى تعبئة أميركيين عاديين، من أصحاب النزعة اليمينية والنزيهين، ضد النخب الفاسدة التي تتعرف في الرؤساء جورج بوش الابن، وريتشارد نيكسون رونالد ريغان قبله على ممثليها. والنزاع بين معارضي"حرب بوش"وانصارها لا يقل حدة وعنفاً عن الحرب التي يخوضها الجيش الأميركي في الشرق الأوسط، بل انه يكاد يشبه حرباً أهلية. ولا جدال في أن ميلاً الى القوة والعنف طبع نهج الولايات المحتدة في حقبات معينة من التاريخ المعاصر، ولا يزال. وأميركا كانت تغبط على حزمها في تعاطيها مع النازية، ثم مع الشيوعية. وهي تنتهج النهج نفسه اليوم بإزاء"الفاشيين الاسلاميين". ولكن عليها أن تمضي على هذا النهج وحدها، ولا يسايرها الا بريطانيا. ويزعم اصحاب النهج هذا أن دول أوروبا الغربية استسلمت لغزو"الفاشية الاسلامية"من داخل، مثلما فعلت ابان"الحرب الخاطفة"التي شنها هتلر، وبإزاء"الحرب العالمية الثالثة"التي أعلنتها الامبراطورية السوفياتية. ولن تكون حال"الحرب العالمية الرابعة"على"الفاشية الاسلامية"خيراً من أحوال الحروب العالمية الثلاث من قبل. والحق أن المقارنة بين سمات هذه الحرب وبين سمات الحروب السابقة من غير سند ولا مسوغ. فلا وجه شبه، غير الوحشية والتعسف، بين أسامة بن لادن وبين جوزف ستالين وأدولف هتلر. وأما الفروق في الوجوه الأخرى كلها، مثل صور السيطرة والنفوذ والظروف السياسية والسياق التاريخي، فعميقة. وزعم الرئيس بوش، في خطبه، ان"الفاشين الاسلاميين"هم ورثة الايديولوجيات الاجرامية في القرن العشرين، لا يغني من جوع. وقد يكون حزب البعث، في الأربعينات، تأثر بالنازية والستالينية. ولكن مؤسسَيه كانا اشتراكيين وأحدهما من عائلة مسيحية، ولم يكن اسلامياً. فنشأ البعث قومياً اجتماعياً، وصبغته الفاشية والستالينية بصبغتيهما. وأما صدام حسين فأقرب الى رجل عصابة منه الى مفكّر. وهو كذلك لم يكن اسلامياً. وقتل نحو مليون عراقي في حربه القومية التي خاضها، بدعم من الولاياتالمتحدة، ضد النظام الاسلامي في ايران. والثورة الاسلامية في ايران اندلعت ضد ديكتاتورية الشاه العلمانية. وكانت الولاياتالمتحدة سند الشاه. وثمة خلافات عميقة بين الجماعات الثورية الاسلامية، وخصوصاً بين مقاتلي السنّة والشيعة بجنوب شرقي آسيا، وطالبان بأفغانستان، والمجموعات الارهابية بلندن، والجنجاويد بدارفور. وعلى خلاف النظام السوفياتي الشيوعي، أو حزب هتلر النازي، والاثنان سيطرا على دول كبيرة وجيوش قوية،"القاعدة شبكة عالمية، تضوي مجموعات ترتبط بروابط ضعيفة، ويستنسخ بعضها توجهات بعضها الآخر السياسية والعملانية من طريق الانترنت، ولا سيطرة للمجموعات هذه على دولة أو جيش كبير. وثمة من يرى أن خلافات المجموعات تتضاءل أمام كراهيتها للولايات المتحدة. ولكن هذه الكراهية لم تكن حقيقة عامة وجامعة في الأوقات كلها. فصدام حسين احتفى بدونالد رامسفلد في الثمانينات، وسرّ بالاتفاقات التي عقدها مع الولاياتالمتحدة. وقد يصح في البعثيين وثوار"القاعدة"والمسلحين الاسلاميين، والجماعات الارهابية العاملة في الغرب، وصفهم بالوحشية والقسوة. ولكن حشدهم من غير تمييز تحت لواء"الفاشية الاسلامية"سعياً في استعادة ظروف 1938 السياسية، والتوسل بالغزوات العسكرية دفاعاً عن الغرب، ضرب خطير من الهستيريا. وللحرب العالمية الرابعة مقتضيات واستراتيجيات قائمة برأسها، تميزها من الحروب السابقة. فالارهاب الديني هو وليد القمع السياسي فوق هو ثمرة الفقر. وطالما بقي ملايين المسلمين تحت رحمة التسلط، تجدد الارهاب وتجددت دواعيه. ويزعم"المحافظون الجدد"انهم ينتهجون سياسة"تجفيف المستنقعات"، أو نشر الديموقراطية، في سبيل اجتثاث الارهاب، ولكن هذه السياسة لم تثبت جدواها العملية، فبعض"المستنقعات"حليف للولايات المتحدة وصديق سياسي وعسكري. والديموقراطية ليست الترياق المنشود على الدوام. فثمة أحزاب أو حركات إسلامية، مثل"حماس"، فازت في انتخابات تشريعية حرة وكانت مناهضتها الولاياتالمتحدة عاملاً راجحاً في فوزها. وبعض الأنظمة الديكتاتورية مثل النظام الإيراني، ترعى الإرهاب الإسلامي وتموله. وحين أرادت الولاياتالمتحدة تجفيف المستنقع العراقي، اشتدّ ساعد إيران، ولم يجف المستنقع العراقي. وأدت الحرب إلى استشراء الفوضى في البلد، فانقلب حاضنة عنف، وهجره ثلث سكانه. وقبل اعتداءات 11 أيلول سبتمبر 2001، كانت ثمة أسباب كثيرة تدعو إلى إطاحة صدام حسين، منها ما هو إنساني وما هو أخلاقي، كالمجازر التي ارتكبها في حق الأكراد والشيعة العراقيين. وقبيل الغزو، لم يستبق من الدواعي إلا التهديد المزعوم لأمن الولاياتالمتحدة، والعلاقة ب"القاعدة". والسببان هذان بقيا مثار الجدل بين محللي استشراء الفوضى الدامية في العراق، تعالت الأصوات التي تنتقد إدارة بوش. وتهمة الذين ينتقدون"عقيدة بوش"بالإشاحة عن الفظاعات التي ارتكبها نظام صدام حسين، وعن رغبة العرب والمسلمين في حياة من غير طغيان، لغو لا طائل منه. والزعم أن مؤيدي"حرب بوش"وحدهم يحملون محاربة الإرهاب الإسلامي على محمل الجد، سخف. ووصف مساعي المسلمين الأوروبيين للانخراط في الديموقراطية، بالخديعة، والدفاع عن التطرف والرضوخ الجبان للإرهاب، تفاهة ما بعدها تفاهة. وتبدو فكرة استخدام قوة الولاياتالمتحدة في سبيل نشر الديموقراطية، وهي ما يعوّل عليه اليساريون الجدد صراحة، أقوى إقناعاً من السياسة الواقعية ومجاراتها الطغاة ومراعاتهم ضماناً للاستقرار. ولكن على الديموقراطية هذه أن ترعى الحريات المدنية، ولا تقتصر على حق الاقتراع وحده. والتدخل العسكري الأميركي في البوسنة وكوسوفو، مثلاً، يحول من غير شك دون المجازر الجماعية. وهذا يستحق التقدير. ولكن الرهان على الأزمات السياسية حلاً عسكرياً، يبعث على القلق. وهو يفضي إلى قسمة العالم شطرين وحزبين، حزب الأصدقاء وحزب الأعداء، وإلى حسبان التسوية ضعفاً والسياسة لغواً، وهذا شطط. عن إيان بورونا ونورمان بودوريتز، "نيويورك ريفيو أوف بوكس" الأميركية، 27/9/2007