في الوقت الذي أقر فيه البرلمان الاسرائيلي الكنيست الموازنة العامة للعام الجديد من دون عقبات طالما واجهت مثلها الحكومات السابقة بل هددت كيانها، وبينما تتمتع الحكومة الحالية بقاعدة برلمانية متينة 77 نائبا من مجموع 120 بعد انضمام حزب"اسرائيل بيتنا"اليها، فإن الأسابيع الثمانية المقبلة هي التي ستحدد مصير هذا الائتلاف وتحديدا مستقبل رئيس الوزراء ايهود اولمرت السياسي من دون استبعاد ان تحفل هذه الأسابيع بتطورات ستنعكس على عموم الاوضاع في الساحة الحزبية في الدولة العبرية. وتحول فضيحة الفساد والرشاوى في"مصلحة الضرائب"، التي تعتبر ثاني أعلى هيئة في اسرائيل لتطبيق القانون بعد المحكمة العليا، دون ان يهنأ اولمرت بانجاز اقرار الموازنة الذي يفترض ان يمنحه وحكومته عاماً كاملاً على الاقل من الهدوء والاستقرار. اذ تلقي هذه الفضيحة المجلجلة التي لا تزال تتصدر اهتمامات الاعلام الاسرائيلي بظل ثقيل على اولمرت وادائه حيال حقيقة ان مديرة مكتبه ورفيقته في المناصب المختلفة التي شغلها منذ 32 عاما، شولي زاكن هي"رأس الحربة"في هذه القضية. وتتحدث اوساط اعلامية عن أجواء من الاحباط العميق تعم مكتب اولمرت وأن الأخير قلق من الأجواء العامة في اسرائيل التي تربطه بقضية الفساد الأخيرة رغم ان الشرطة لا تشتبه، الى الآن، بضلوعه فيها. وأشارت هذه الأوساط الى حقيقة ان اولمرت لم يعد يحظى بثقة الاسرائيليين الذين يشككون في كل خطوة يخطوها أو في أي تصريح سياسي يدلي به ويدرجونه في اطار الاعيبه الاعلامية التي طالما اشتهر بها قبل ان يتسلم منصبه الحالي. وينسب الاسرائيليون الى اولمرت ضلوعه في أي قضية فساد يتم الكشف عنها ويعتبرون ان عهده"الأكثر فسادا"سبب اساءة بالغة لصورة اسرائيل وسمعتها على الصعيد الدولي، مثلما اشتكى سفراء اسرائيل في مختلف دول العالم الى وزارة الخارجية مقرّين بعجزهم عن تفسير ما يحصل. وتزيد القضية الأخيرة، التي قد يُطلب من اولمرت تقديم افادته الشخصية حولها بصفته من عين، حين كان وزيرا للمال، رئيس مصلحة الضرائب الحالي جاكي ماتسا في منصبه، رئيس الحكومة غماً وهماً وهو المتورط أصلا في قضايا فساد وتحقيقات لا يعرف أحد كيف سيخرج منها، إن خرج منها أصلا. اما اذا صحت التوقعات بأن الشرطة الاسرائيلية ستحقق مع وزير المال ابراهام هيرشزون في قضية الفساد في مصلحة الضرائب وفي تورطه في اختفاء اكثر من مليون دولار حين كان على رأس جمعية خيرية، فإن ذلك سيشكل صفعة أخرى لاولمرت الذي يعتبر هيرشزون احد اكثر الوزراء المقربين منه ونال منصبه الحالي بفضل هذه الصداقة، علما ان اولمرت كان تلقى صفعة عنيفة حين وجهت تهمة ارتكاب عمل شائن ل"ساعده الأيمن"الوزير حاييم رامون الذي اضطر الى الاستقالة. وينتظر الاسرائيليون قرار"مراقب الدولة"في التحقيق الذي أجراه حول التعيينات غير القانونية التي أقرها اولمرت في منصبه السابق وزيرا للصناعة والتجارة لناشطين حزبيين من دون ان تكون لهم الكفاءات المطلوبة. ومن المتوقع ان يبت المراقب في الأسابيع القليلة المقبلة في مسألة فتح تحقيق جنائي مع رئيس الحكومة من عدمه. كما ينتظر الاسرائيليون قرار المستشار القضائي للحكومة مناحيم مزوز في مدى ضلوع اولمرت في قضية خصخصة أحد اكبر المصارف في اسرائيل ومحاولته استغلال موقعه وزيرا للمال لمنح الامتياز لقريبين منه بسعر مخفض. وفوق كل هذا يبقى عمل لجنة التحقيق الحكومية لجنة فينوغراد في إخفاقات الحرب على لبنان أكثر ما يقض مضاجع اولمرت والمقربين منه. اذ من المتوقع أن يستدعى رئيس الحكومة للمثول امام اللجنة اواخر الشهر الجاري. ورغم ان توصيات اللجنة ليست ملزمة قانونيا، الا ان مجرد تطرقها في تقريرها المرحلي بعد شهرين تطرقاً سلبياً الى اداء اولمرت وانتقاد طريقة اتخاذه القرارات خلال الحرب كفيل باثارة الرأي العام في اسرائيل ضده ونشوء حركات احتجاج قوية لحمله على مغادرة منصبه، وهي ما ترجوه غالبية الاسرائيليين منذ أشهر. وربما فسر ما تقدم قناعة غالبية مصوتي حزب"كديما"الحاكم، وفقا لاستطلاع أجري لمصلحة الاذاعة العامة ونشرت نتائجه امس، بأن الحكومة لن تكمل ولايتها القانونية وقد تتهاوى خلال العام الجاري. كما رأت الغالبية في وزيرة الخارجية تسيبي ليفني أكثر الشخصيات ملاءمة لمنصب زعيمة الحزب حتى لو تمت تبرئة اولمرت من كل الشبهات اذ جاء اولمرت في المرتبة الرابعة بعد شمعون بيريز وآفي ديختر، وبفارق كبير وراء ليفني.