كلمة الجدل في المصطلح الحديث تعني "الحوار" وله شروط وقواعد بنيتها الآية الكريمة"وجاد لهم بالتي هي أحسن". فالحوار مكوناته أطراف مختلفة. رأي آخر بينهما خلاف على قضايا جوهرية. فالجدل يعني الدخول في حوار هادف للوصول الى قواسم مشتركة أو هدف محدد يُتّفق عليه. ومن شروط الحوار ان يكون النقاش هادئاً يعتمد العلم والمعرفة وألا يخرج المتحاورون عن أدب النقاش البعيد عما يثير النفور. فالحديث بين الأطراف يجب ان يصاغ بعبارات تريح ولغة خالية من التجريح ويجب على كل طرف ان يصغي الى الطرف الآخر بتمعن وانتباه شديدين ولا يقاطع المتحدث بل يصغي اليه لينتهي الى تبيان وجهة نظره. بعدها يأتي الرد على ان يتقيد بالشروط ذاتها. فالكلمة الطيبة تدخل الى قلب سامعها فيرتاح لها ويطمئن وينفتح على حوار هادئ ومساواة بين المتحاورين في توزيع الادوار في الكلام وافساح المجال للمتكلم الى نهاية حديثه. تلك هي معنى الآية الكريمة بالتي هي أحسن. وتعني أيضاً حسن الكلام وحسن النطق وحسن الاصغاء وحسن التصرف. وقد يحدث اثناء النقاش زلة لسان من أحدهم فينبغي ألا تكون مدعاة لتسرع المتلقي بالرد الذي قد يخرج الحوار عن جادة الصواب والنقاش عن هدفه. فالكلمة التي تلفّظ بها أحدهم من غير قصد قد تكون جارحة غير مريحة للمتلقي. ويجب ان تواجه بالعفو والمغفرة، وذلك هو معنى الاحسان. ان تعفو وتسامح من أساء في قول أو عمل. أما اذا كان الرد على الكلمة الخطأ بمثلها فقد تكرر الخطأ وبطل الشرط الاساس في الحوار الذي غايته الاتفاق ووقعت الفرقة وخرج الحوار عن غايته ومضمونه. فالآية الكريمة تعلمنا حسن الأدب وحسن الكلام وهما أصل في الخطاب المتبادل وألا يكون الكلام جارحاً ولا تأخذ الحدة الاطراف المتحاورة."بالتي هي أحسن"تعني القول الجميل السمح الذي يدنيك ممن تخاطبه ويذهب بالجفاء إن كان من جفاء بينك وبينه. فالكلمة الحلوة منك تشعر محاورك بأهميته ودوره وترضي نفسه وأناه، فلا بد والحالة هذه من ان يرد عليك بالمثل فتكون بذلك قد فرضت شروطك على من تحاوره فيغدو أديباً ومهذباً في حديثه معك. أرأيت الى ما ترمي اليه الآية الكريمة من غاية جليلة وسامية فهل نأخذ بها فنهتدي ونتصالح ونطمئن في وطننا الى يومنا وغدنا. محمد زهري حجازي - طرابلس - لبنان