علمت"الحياة"أن تطوراً جديداً طرأ على قضية الاتصالات الجارية بين الحكم الليبي وقادة"الجماعة الإسلامية المقاتلة"المسجونين، إذ طلب هؤلاء إشراك ناشطين ليبيين بارزين يقاتلون إلى جانب حركة"طالبان"في أفغانستان في حوارهم مع السلطات في طرابلس. ومعلوم أن أكثر من ست جلسات حوار جرت بين الطرفين خلال العامين الماضيين، لكن لم يظهر من نتائجها سوى تخفيف السلطات إجراءات سجن عناصر"المقاتلة"والإفراج عن بعضهم. وتلعب"مؤسسة القذافي للتنمية"التي يرأسها سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي، دوراً محورياً في هذه الاتصالات، وهي لجأت أخيراً إلى الاستعانة بأحد القادة السابقين في"المقاتلة"لتحريك الأمور إلى الأمام من خلال تأمين اتصال مباشر له بالقادة المسجونين. ويقول نعمان بن عثمان في مقابلة مع"الحياة":"نعم، أنا طرف في هذه القضية بطلب من مؤسسة القذافي للتنمية وعن طريق المهندس سيف الإسلام مباشرة، وكذلك بطلب من قيادة الجماعة في السجن وتحديداً أميرها عبدالله الصادق ونائب الأمير"أبو حازم"والشيخ"أبو المنذر الساعدي"المسؤول الشرعي. ولم تعترض الأجهزة الأمنية على هذا الدور". ويؤكد أن لديه"اتصالات مباشرة مع القيادة وتحديداً مع الثلاثة الذين ذكرتهم. لكن لدي طرقاً خاصة للاتصال لن أفصح عنها حالياً". وليس سراً أن معظم جلسات الحوار يشارك فيها ممثلون عن ثلاثة أجهزة أمنية ليبيا هي الاستخبارات العسكرية والأمن الخارجي والأمن الداخلي، فيما تتمثل"مؤسسة القذافي"بمديرها التنفيذي المهندس صالح عبدالسلام، ويحضر عن"المقاتلة""أميرها"عبدالله الصادق اعتُقل في تايلاند عام 2004 ونائبه"أبو حازم"كان معتقلاً في سجن باغرام وسلّمه الأميركيون إلى ليبيا قبل عامين والمسؤول الشرعي"أبو المنذر"اعتُقل في 2004 في هونغ كونغ والشيخ مفتاح الدوّادي المعروف باسم"عبدالغفار"وكان أميراً سابقاً للجماعة والشيخ عبدالوهاب قايد المعروف باسم"إدريس". ويكشف هذا القيادي السابق في"المقاتلة"أن رفاقه المسجونين طلبوا منه إيصال رسالة إلى عدد من الناشطين الليبيين بين أفغانستان وإيران لإبلاغهم بموضوع الحوار الذي يُجرونه مع الأمن الليبي وأيضاً لاستشارتهم في أي قرار يتخذونه. ويُعتقد أن هذه المرة الأولى التي يحاول فيها قادة"المقاتلة"إشراك رفاقهم في الخارج في موضوع الاتصالات مع الحكم الليبي، خصوصاً أن بعضهم يقود جماعات مسلحة معروفة تخوض معارك ضد القوات الأميركية في أفغانستان وعلى رأسهم"أبو الليث القاسمي"و"أبو يحيى الليبي"، وكلاهما ظهر في أشرطة فيديو في الشهور الماضية أعلنا فيها مسؤوليتهما عن هجمات ضد قوات التحالف في أفغانستان. ومعلوم أن"أبو يحيي الليبي"كان أحد أربعة سجناء عرب في باغرام استطاعوا الفرار منه في 2005. ويقول بن عثمان:"تريد قيادة المقاتلة الآن القول إن أعضاء الجماعة وقادتها ليسوا أولئك الموجودين فقط في السجن في ليبيا، ولكن هناك أعضاء آخرين تعتبر الجماعة أن من المهم جداً أخذ رأيهم ومشورتهم وقرارهم في شأن نتيجة الحوارات. وهؤلاء تحديداً هم الشيخ أبو الليث القاسمي، الأخ عروة، الشيخ عبدالله سعيد، والشيخ أبو يحيى الليبي. وقيادة الجماعة أبلغتني مباشرة بقرارها هذا وهي تحرص كل الحرص على ايصاله للأطراف المعنية بالأمر". ويُقر بأن الأربعة"في أفغانستان... وهناك أخبار متداولة تقول إنهم بين أفغانستان وإيران"، ويشير إلى أن الأمن الليبي متخوف من أن يكونوا قد انضموا إلى تنظيم"القاعدة". لكنه يقول:"هم ليسوا قاعدة.... ولكن بالتأكيد هناك جهود لاستقطابهم إلى هذا التنظيم كونهم في أفغانستان. وقيادة الجماعة في السجن تتفهم ظرف المعركة الذي يوجد فيه الاخوة في أفغانستان وان هذا قد ينتج عنه تعاون مع أطراف أخرى. لكن عملية الانضمام لم تحصل حتى الآن". ويشدد على أن"قيادة الجماعة في السجن مصرة على القول إن لا أحد يملك حق الحديث باسمها، أو التحدث عن آرائها. وهي حتى هذه اللحظة لم تتخذ أي قرار في شأن أي شيء، وكل ما هو جار عبارة عن حوار مع أجهزة الأمن للوصول الى حل يرضي جميع الأطراف". ويوضح أن الأمن الليبي يُحمّل قيادة"المقاتلة"في السجن مسؤولية تصرفات عناصرها في الخارج، خصوصاً إذا كانت تطال أمن ليبيا نفسها. لكنه يشير إلى أن موضوع مشاركة الليبيين في قتال الأميركيين إلى جانب حركة"طالبان"لم يُثر في الحوارات بين الجانبين، وانه يعتقد أن الأمن الليبي يهتم تحديداً بأي عمل يطال الأرض الليبية، مثل محاولة إعادة بناء خلايا للجماعة أو إعادة الاتصال بمناصرين لها في الداخل. ويوضح أن"أجهزة الأمن الليبية متفقة على نقطة واحدة أساسية وهي منع وإنهاء أي تهديد لأمن الدولة، سواء بالحوار أو بسلطة القانون أو بالقوة. ليس هناك نقاش في ذلك. لكن كل جهاز من الأجهزة يركّز على أمر معيّن. الاستخبارات العسكرية لا تركّز كثيراً على تفاصيل ما يجري في الحوارات بقدر ما تحرص على النتيجة النهائية، وهي القضاء على أي تهديد عسكري للنظام. الأمن الخارجي في المقابل يُركّز على أمرين: الأول، البُعد العالمي للعمل المسلح وتأثيره على ليبيا، والثاني، الأفكار التي تنتج العنف. أما الأمن الداخلي فهو أكثر الأجهزة تركيزاً على التفاصيل العملية المتعلقة بإنهاء العنف مثل الجوانب القانونية والقضائية. فهذا الجهاز يعتبر أن هناك ملفات لم ينته التحقيق فيها بعد وبالتالي لا يمكن إقفال ملف قضائي ما زال التحقيق فيه جارياً". ويشير إلى أن"مؤسسة القذافي للتنمية، في الحقيقة، لا تملك قرار ابقائهم سجناء"المقاتلة" في السجن أو إخراجهم. ومن خلال تدخلي في الموضوع لمست ذلك بنفسي. لكن، في المقابل، لولا تدخل سيف الإسلام لما كان الحوار قد بدأ، والمؤسسة حريصة على استمراره. لكنها تقف عند حدود صلاحيات أجهزة الأمن وتخصصاتها، وفي اعتقادي أنها صاحبة القرار النهائي الذي يُمثّل الدولة في هذه الموضوع".