أوضح قيادي في «الجماعة الإسلامية المقاتلة» الليبية أن هذه الجماعة ليست جزءاً من تنظيم «القاعدة». وأكد «أبو صهيب الليبي»، عضو اللجنة الشرعية في «المقاتلة»، في مقابلة مع «الحياة» في لندن، صحة البيان الذي صدر عن قيادات «المقاتلة» في بريطانيا الشهر الماضي والذي تضمن تأييداً للحوارات الجارية بين قادة الجماعة المسجونين والحكم الليبي. وقال إن رسالة أمير الجماعة أبو عبدالله الصادق تُعد دليلاً على أن الحوارات تُجرى من دون اكراه ونتيجة قناعات القادة المسجونين. وفي ما يأتي نص المقابلة: ما هي علاقتك بالجماعة الإسلامية المقاتلة؟ - أبو صهيب الليبي خريج قسم الجيولوجيا في كلية العلوم في جامعة قار يونس في بنغازي. غادر ليبيا عام 1991 متوجهاً الى السعودية حيث درس في كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة. وهو يعد من أعضاء اللجنة الشرعية في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وتعتبره الأجهزة الأمنية من قيادات الجماعة المقاتلة في بريطانيا. ما خلفية صدور البيان الأخير عن أعضاء الجماعة المقاتلة في بريطانيا: تقولون إن البيان صدر بناء على رغبة قيادة الجماعة في ليبيا. من هم هؤلاء القادة ولماذا يصدر موقفكم الآن بعد أكثر من سنتين على بدء الحوارات في السجن في طرابلس؟ هل هذا يعني ان الحوارات بلغت مرحلة مهمة تتطلب صدور موقف منكم يؤيد ما تقوم به القيادة؟ - المقصود بقيادة الجماعة أميرها أبو عبدالله الصادق، والمسؤول الشرعي الشيخ أبو المنذر الساعدي، وبقية أعضاء مجلس شورى الجماعة المعتقلين في سجن أبو سليم في طرابلس. أما سبب تأخير البيان فهو حالة الشك وعدم التصديق التي غلبت على الكثير من المتابعين للحوار الداخلي، إضافة الى ندرة المصادر الموثوقة لنقل الصورة كما هي، ثم شيئاً فشيئاً وبعد بدء ورود المعلومات من بعض المصادر الموثوقة بدأت الصورة تتضح تدريجاً، حتى جاءت رسالة أمير الجماعة بخط يده فيصلاً في ذلك، مما أكد لنا صدقية هذا الحوار وأنه تم برضا قيادة الجماعة وأنه قد بلغ مرحلة متقدمة، ما تطلب منا إبداء موقفنا نزولاً عند رغبة قيادة الجماعة. ورد في البيان انكم مع الحوار إذا أدى الى فك اسر السجناء وإتاحة الفرصة للعمل الدعوي وغيرها من المصالح، هل تعتبرون تحقيق ذلك شرطاً لتأييد الحوار بمعنى أنكم مع النتائج ولستم مع الحوار؟ - هذه مطالب منطقية ومشروعة وليست شروطاً، فإذا كان النظام يريد تجاوز المرحلة الماضية فيجب إتاحة الفرصة للناس للعمل الدعوي والسياسي والنشاط الشرعي، كما أن تجاوز المرحلة الماضية يقتضي على الأقل فك اسر السجناء ولمّ شمل عائلات هؤلاء الاخوة، وتعويض المتضررين منهم، وإشاعة الأمن والعدل، ورد الحقوق الى أصحابها، في كل القضايا وعلى رأسها قضية مجزرة سجن أبو سليم التي راح ضحيتها ما يزيد على 1200 شهيد من أبناء التيار الإسلامي ومن ضمنهم الكثير من أبناء الجماعة المقاتلة، ومحاكمة المسؤولين عن هذه الجريمة النكراء، وضمان ألا تحدث انتهاكات جديدة تمس أياً كان في المستقبل، باختصار شديد هذه أرضية الحوار التي ينبغي أن ينطلق منها. ورد في البيان أيضاً «انكم تحتفظون بحقكم في معارضة النظام ما لم يتراجع عن سياساته السابقة التي أدت الى التأزم والانسداد». هل يعنى ذلك عودة الجماعة الى العمل العسكري ضد النظام في حال عدم تحقيق الحوار للنتائج التي تريدونها؟ - أوقفت الجماعة العمل العسكري عام 2000 بناء على دراسة ومراجعة لخطة الجماعة وتقدير إمكانات النجاح والإخفاق، وهذا القرار سبق تسليم قيادة الجماعة للنظام الليبي بخمس سنوات، فهو نتيجة تقدير للأمور وليس نتيجة فعل ورد فعل. وقد أشرنا في البيان الى أن العمل العسكري لم يحقق أهداف الجماعة بكل صراحة ووضوح تامين، والجماعة لن تقوم بعمليات لمجرد إثبات الوجود أو لإرضاء الأنصار والمتعاطفين معها أو غير ذلك، لكننا نحتفظ بحقنا السلمي في معارضة النظام ما لم نرَ تغييراً حقيقياً في سياساته. هل البيان الذي صدر أخيراً كان محصلة آراء أعضاء الجماعة وقادتها في الخارج، وهل يمكنكم الجزم بأن ليس هناك معارضة فعلية لذلك؟ - نعم لقد تمت استشارة الاخوة المعنيين في هذا البيان وأستطيع الجزم – بحسب علمي - أنه لم تكن هناك معارضة للبيان، وقد صدر البيان بصورة جماعية ولاقى استحساناً وتأييداً من الجميع سواء في بريطانيا أو في غيرها. ما موقفكم من المراجعات الفقهية التي يقوم بها القادة المسجونون: هل أنتم مستعدون لتأييدها إذا صدرت عن القادة السجناء وأكدت عدم جواز تكفير الحكم الليبي أو قتاله؟ وما هو موقفكم من الحكم في ليبيا، وعلى أي أساس كنتم تقاتلونه في السابق (هناك من يأخذ عليكم مثلاً أنكم لم توقفوا قتال الحكم الليبي إلا بعدما فشلتم في ذلك، أي أنكم توقفتم عن عجز وليس عن اقتناع بأن النظام ليس مرتداً). - دعني أؤكد لك ابتداءً مسائل مهمة في منهج الجماعة المقاتلة، أولاً معتقد الجماعة المقاتلة في مسألة تكفير المعين هو عقيدة أهل السنّة والجماعة، وهي بريئة مما يخالف ذلك سواء نسب الى الجماعة أو الى غيرها، وقد ردت الجماعة سابقاً على مسألة تكفير أعيان او أفراد الحكومات والأنظمة بكتاب «نظرات في الإجماع القطعي» وأوضحت أن ادعاء الإجماع في كفر المعين استدلالاً بفعل الصحابة في قتال مانعي الزكاة باطل شرعاً. ثانياً: الجماعة ترفض استهداف المدنيين، أو إفساد المال العام كحرق المدارس والمراكز وغيرها، وهي رفضت أساليب التفجيرات التي لا يمكن التنبؤ بدائرة تأثيرها لما قد يلحق بالناس غير المستهدفين من أضرار، وحتى في مسألة مواجهة النظام عسكرياً وجدوى ذلك تعتقد الجماعة أن الأمر منوط بالقدرة، والنظر في المآل، والجدوى من العمل وليس المقصود القتال لمجرد القتال وإنما لتحقيق مصالح الأمة من ذلك، ولهذا أعلنت الجماعة - كما أشرت سابقاً - في عام 2000 وقف أي أعمال عسكرية في ليبيا لعدم الجدوى، أما غير ذلك من مسائل فننتظر حتى نرى ما يصدر حولها. ما هي معلوماتكم عن الحوارات القائمة بين القادة المسجونين والسلطات الليبية: هل القادة مكرهون على ما يقومون به، أم أنهم مقتنعون بما يقومون به؟ - أعتقد أن رسالة أمير الجماعة بخط يده تعد اشارة قوية الى اقتناعهم بما يقومون به، ومعلوماتنا تشير الى أنه أتيح لقيادة الجماعة الاجتماع بالأعضاء في داخل السجون، وتدارس الأمر بتمعن، وكما تعلم فقد استغرق هذا الأمر أكثر من سنتين، وقد بلغنا أن قيادة الجماعة في طور الانتهاء من كتاب يعبّر عن آرائها الفكرية والشرعية في القضايا المهمة مثل مسألة التكفير، وحكم الأعمال المسلحة في بلاد المسلمين وفي بلاد الغرب، وقضايا استحلال المال العام، وغيرها من القضايا التي هي محل الأخذ والرد، ويفترض أن يكون الكتاب جاهزاً في القريب، وسيعرض على مجموعة من العلماء والمشايخ داخل ليبيا وخارجها. حمل البيان نقطتين جوهريتين عن علاقة الجماعة المقاتلة بتنظيم «القاعدة». هل يمكن أن تقدّم شرحاً للعلاقة بين الطرفين منذ البدء وحتى اليوم: كيف كانت علاقتكم بأسامة بن لادن عندما كان في السودان في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وماذا كان موقفكم من إعلان بن لادن إنشاء «الجبهة الإسلامية العالمية» عام 1998، وماذا كان موقفكم من هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، وما هي ملابسات إعلان أبو الليث الليبي الانضمام الى «القاعدة»؟ - ابتداء يعلم الجميع وعلى رأسهم أجهزة المخابرات المختلفة أن لا علاقة تنظيمية للجماعة المقاتلة بغيرها من التنظيمات سواء في السودان أو في أفغانستان أو في غيرها، وقد تميزت الجماعة باستقلالية تامة يشهد عليها الجميع، وقد رفضت وبإجماع قيادتها الانضمام الى الجبهة العالمية التي تكونت من تنظيم «القاعدة» وبعض الجماعات المتحالفة معه، وكما ذكرت أنت في كتابك «القاعدة وأخواتها»، فإن موقف الجماعة المقاتلة كان الأكثر وضوحاً منذ البداية. أما أحداث أيلول (سبتمبر) فالجماعة لم تستشر في ذلك ولم يكن لها أي دور فيها إطلاقاً، بل عندما اعتقل الأميركيون أمير الجماعة أبو عبدالله الصادق والشيخ أبو المنذر الساعدي عام 2004 وتم التحقيق معهما حول ذلك، أقر الأميركيون بأن لا علاقة لهما أو للجماعة بتلك الأحداث، ومع ذلك تم تسليمهما الى النظام الليبي. أما ما يخص إعلان الشيخ أبو الليث الليبى - رحمه الله - الانضمام الى القاعدة، فنحن نؤكد أنه اذا فهم من كلامه الانضمام الى القاعدة فهو انضمام فردي وليس انضماماً كاملاً الى الجماعة، وهو الأمر الذي أكده الدكتور أيمن الظواهري عندما سئل عن ذلك في لقاء عبر الانترنت حيث ذكر أنه لم يقل إن الجماعة المقاتلة انضمت الى تنظيم «القاعدة»، وهذا التصريح من الدكتور الظواهري يسقط دعوى انضمام الجماعة الى القاعدة بالكامل. وقد ذكرنا أن إعلان الانضمام الى القاعدة من طرف أبو الليث يعد - على فرض أن ذلك مراده - مخالفاً للائحة الأساسية للجماعة التي تشترط موافقة معظم أعضاء مجلس الشورى في مثل هذه القرارات المصيرية، والأخ أبو الليث يعلم ذلك تمام العلم ولا نعلم عن الظروف التي جعلته يتجاوز تلك اللائحة. أما العلاقة بالفرع المغاربي للقاعدة - كما ذكرت - فأؤكد لك مرة أخرى أن الجماعة المقاتلة تنظيم ليبي ليس له أي ارتباطات مع جماعات أخرى، سواء تنظيم «القاعدة» في أفغانستان أو فرعها في الجزائر أو غيرها. هل يمكن القول إن جزءاً فقط من المقاتلة انضم إلى «القاعدة» وهو الجزء الذي يضم عناصرها في أفغانستان وباكستان وإيران؟ - أتصور أن مرد سؤالك يرجع الى إعلان الشيخ أبو الليث انضمام الجماعة المقاتلة الى «القاعدة» وقد بينت لك سابقاً خلفية هذا الإعلان. وبحسب علمي أن أحداً غيره لم يعلن انضمامه الى القاعدة. وهناك أمر في غاية الأهمية، وهو أن المعلومات المتوافرة لدى هؤلاء الاخوة عما يجري في السجن من حوارات وما قد يتبع ذلك من نتائج قد لا تكون كما هي عندنا نظراً للظروف الأمنية الخاصة بهم... وبحسب تقديري، فإن اطلاعهم على هذه المعلومات سيكون له الأثر الكبير في تحديد موقفهم من الحوار. تشكون من أن حكومات غربية وصمت الجماعة المقاتلة بالإرهاب. أعتقد أنكم تقصدون تحديداً بريطانيا التي حظّرت الجماعة واعتبرتها إرهابية وحاولت ترحيل الكثير من عناصرها إلى ليبيا. ألا تعتقد أن العلاقة بين «المقاتلة» و «القاعدة» متداخلة في شكل لا يسمح لبريطانيا أو لغيرها من الدول بأن تلاحظ أن هناك فروقاً بين الطرفين، خصوصاً عندما يُعلن أبو الليث مثلاً الانضمام إلى «القاعدة» ولا يصدر نفي لذلك طوال عامين تقريباً؟ - ابتداء، أريد أن أبين تعريف الإرهاب في القانون البريطاني الذي صدر عام 2000 حيث نص على أنه «أي عمل استُخدم فيه العنف كوسيلة للتغيير سواء كان في بريطانيا أم في خارجها». وهذا تدخل فيه محاولة تغيير الأنظمة الديكتاتورية من طريق استخدام القوة. أما ما يتعلق بوضع اسم الجماعة في قائمة الإرهاب فكلامك يكون له وجه إذا تم إدراج الجماعة في اللائحة بعد أحداث 11 أيلول 2001 أو حتى بعد إعلان الشيخ أبو الليث الانضمام الى تنظيم «القاعدة» في 3/11/2007 لوجود شبهة التداخل التي ذكرتَ وعدم المقدرة على التفريق بينهما... ولكن تم إدراج اسم الجماعة المقاتلة في هذه القائمة بتاريخ 18/10/2005، أي بعد اكثر من أربع سنوات من أحداث أيلول وقبل اعلان الاخ أبو الليث الانضمام الى القاعدة وبعد أكثر من عام على تسليم قيادة الجماعة من طرف الأميركيين الى النظام الليبي، وهذا يؤكد عدم وجود أي إشكالية في التمييز بين الجماعتين عند من يعتقد ذلك. اعتقد بأن هناك أسباباً وعوامل سياسية أخرى كان لها الأثر الأكبر وراء إدراج اسم الجماعة في قائمة الحركات الإرهابية لعل من أهمها أحداث لندن بتاريخ 7/7/2005 وما ترتب عليها من تغير سياسة الحكومة البريطانية تجاه الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة، كما صرح وقتها رئيس الوزراء البريطاني توني يلير بأن قواعد اللعبة قد تغيرت. إضافة الى التحسن الكبير الذي طرأ على العلاقات الليبية - البريطانية، ولا أدري هل كان هناك تعمد في إدراج اسم الجماعة في قوائم الإرهاب في اليوم والشهر ذاتهما اللذين أعلنت فيهما الجماعة عن ظهورها في 18 تشرين الأول (أكتوبر) 1995 وبعد عشر سنوات من عمر الجماعة. صدر أخيراً بيان من جهاز الأمن الخارجي الليبي بتاريخ 16/07/2009 يدعو المعارضين للنظام للعودة الى ليبيا، فما موقفكم من ذلك؟ - في الحقيقة لا أستغرب صدور مثل هذا البيان الاستفزازي باعتبار أنه الأسلوب السابق ذاته الذي عهدناه عن الأجهزة الأمنية واللجان الثورية طوال قرابة الأربعين سنة، والواقع أن النظام لم يأت بجديد في ما يخص عودة المعارضين الى البلاد، فقد سبق أن شكل وزارة للمغتربين، وأعطت مؤسسة سيف الإسلام (القذافي) وعوداً بسلامة من يرجع، لكنني أعلم عن بعض الحالات ممن رجع من طريق المؤسسة ولا يزال يقبع في السجن الى يومنا هذا، وحتى من يفكر بالرجوع والاستقرار في وطنه سواء لأسباب عائلية أو لغيرها من الأسباب يعلم علم اليقين أن لا ضمانات لأمنه الشخصي أو الأسري نتيجة أن البلد تدار بالكامل بالعقلية الأمنية، وقد يجد نفسه معتقلاً من دون سابق إنذار عند وقوع أي حدث في البلاد. والأمر الآخر الذي يلاحظه كل من يقرأ بيان الأمن الخارجي هو أن ملف عودة المعارضين الليبيين كان من اختصاص مؤسسة سيف الإسلام لحقوق الإنسان، فانتقال هذا الملف الى جهاز الأمن الخارجي يؤكد ما قلته سابقاً من أن البلاد ما زالت تدار بالعقلية الأمنية.