رأى خبراء اقتصاديون أميركيون ان محاولات منع إصلاحات السوق في بعض بلدان أميركا اللاتينية، تنذر بالشؤم في تلك البلدان، ولن تحل مشكلات أميركا اللاتينية. وأدلى هؤلاء الخبراء بأقوالهم هذه بعد إعلان الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، مؤخراً عزمه على تأميم قطاعي الاتصالات والطاقة الكهربائية في بلاده. وأدى الإعلان إلى خفض مؤشر أسهم الأسواق المالية في كراكاس بنسبة 19 في المئة، وواصل خفضه إلى 30 في المئة تقريباً بحلول منتصف السادس عشر من الشهر الجاري. وتكبدت شركتان للخدمات العامة في القطاعات المستهدفة، إحداهما مملوكة لشركة"فيرايزن"الأميركية بنسبة 28 في المئة، والأخرى تملكها وتديرها شركة أميركية أخرى، خفوضات حادة في قيمة الأسهم، ما اضطر المسؤولين إلى وقف التعاملات في أسهمها في شكل موقت. كذلك اهتزت أسواق الطاقة في أميركا اللاتينية بفعل خطط تأميم الغاز الطبيعي في بوليفيا. وفرضت خطط رفع الضرائب على إنتاج الغاز من 50 إلى 82 في المئة، إجراء سلسلة من المفاوضات المعقدة مع الدول المجاورة لبوليفيا. وكانت البرازيلوالأرجنتين من أكبر المتضررين من هذه الإجراءات، حيث انهما تمتلكان حصصاً كبيرة في قطاع الطاقة البوليفي، وكلتاهما تعتمد على إمدادات الغاز من هذا البلد. واضطرت الأرجنتين إلى دفع أسعار باهظة مقابل الغاز البوليفي، وربما تفعل البرازيل الشيء ذاته. وقال الناطق الإعلامي للبيت الأبيض توني سنو"إن التأميم له تاريخ طويل وغير مشرف من الفشل حول العالم". وأضاف:"أننا ندعم الشعب الفنزويلي، ونعتقد بأن هذا يمثل يوماً تعيساً بالنسبة له". كما وصف الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية شون ماكورماك التأميم بأنه"عبارة عن طريق بائس أثبت التاريخ عدم جدواه، وأنه لا يعود بالنفع على المواطنين". ويتفق خبراء القطاع الخاص، على"أن أفضل خطط التأميم تنفيذاً تنطوي على مخاطر". وأبلغ لويل فلايشر من"مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية"في واشنطن، موقع"يو إس إنفو"، أن الرئيس تشافيز يسعى إلى تسجيل نقاط سياسية، بالترويج لبرامجه الاشتراكية، خصوصاً في القرن الحادي والعشرين". ولكنه أعرب عن تشاؤمه بأن هذا الإجراء ستكون له آثار سلبية بالنسبة الى فنزويلا، على المدى البعيد، على رغم ما تمتلكه من عائدات نفطية ضخمة، إذ انها تحتاج إلى الاستثمارات الأجنبية للمحافظة على قطاعها النفطي وتطويره. وقال فلايشر"انك عندما تبدأ عملية التأميم، فإنك تنفّر الاستثمارات الأجنبية، التي سبق لها أن انحسرت خلال فترة حكم تشافيز. وفيما نحن نسير في هذا الاتجاه، اعتقد بأن ذلك يعني تدهور الوضع الاقتصادي. فالتضخم سيستمر في الارتفاع، وأعتقد بأن أول المتضررين من ذلك هم فقراء فنزويلا، تلك الشريحة التي تشكل حالياً العمود الفقري لدعم تشافيز". وقال جيفري سكوت، وهو باحث في"معهد بيترسون للاقتصاد الدولي"في واشنطن،"إن مخاطر التأميم اليوم، أكبر مما كانت عليه في الماضي، حيث ان ذلك المستوى من التكامل في الاقتصاد العالمي لم يكن موجوداً، وهو يعتبر في غاية الأهمية بالنسبة الى هذه البلدان، من حيث الوصول إلى الأسواق، وربما يكون الوصول الى الاستثمارات الأجنبية على الدرجة نفسها من الأهمية إن لم يكن أكثر أهمية". ويقول زعماء دول أميركا اللاتينية مثل تشافيز ورئيس بوليفيا إيفو موراليس، إنهم يردون على فشل إصلاحات السوق"الليبرالية الجديدة"في التسعينات من القرن الماضي. وقد أقر الخبراء بأن الإصلاحات أخفقت في بعض الحالات في معالجة مشكلات أميركا اللاتينية الأكثر إلحاحاً، وهي الفقر والتفاوت في الدخل والبطالة والفساد. ولكنهم يؤكدون أن من الخطأ وضع كل اللوم على"توافق المواقف في واشنطن"، وهو عبارة عن مجموعة من الإصلاحات لتعزيز الاقتصادات التي كانت تواجه مشكلات روّج لها صندوق النقد والبنك الدوليين ووزارة المال الأميركية. وشددت هذه الإصلاحات على الانضباط المالي، والتقشف وخفض الضرائب، وتحرير وخصخصة المؤسسات المملوكة للدولة. وأشار سكوت إلى أن المحللين يقولون إن"التوافق"يفترض أيضاً وجود استثمار متزايد في التعليم والصحة والبنى التحتية، فضلاً عن الشفافية وحكم القانون الصارم. ويضيفون أن الإصلاحات في هذه المجالات غالباً ما تكون متخلفة وغير مكتملة. وقد مثل"التوافق في واشنطن"الأساس للاستقرار الاقتصادي الكلي، الذي كان من الضروري تضمين السياسات الأخرى فيه". وقال جيري هار، أستاذ التجارة الدولية في"جامعة فلوريدا الدولية"،"أن النخب المحلية في العديد من بلدان أميركا اللاتينية شوهت سمعة إصلاحات السوق، باستخدام الخصخصة كغطاء لفساد"رأسمالية ذوي القربى". وأضاف"لا يوجد شيء في الرأسمالية الديموقراطية يقول انه لا يمكن اتخاذ تدابير اجتماعية للسلامة والأمان، ولا يوجد شيء ينص على عدم سن قوانين إفلاس سليمة، وقواعد عمل مرنة، وأنظمة ضريبية متخصصة، وقطاع عام جيد، ومحاكم شفافة ونزيهة". ويذكر الخبراء أيضاً أن بضعة بلدان أميركية لاتينية فقط، يبدو أنها ابتعدت عن نموذج اقتصاد السوق. وأشار سكوت إلى أن"درجة الانحراف عن السوق الحرة في أميركا اللاتينية كان مبالغاً فيها. إذ إننا لو نظرنا إلى الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، لوجدنا أنه بالفعل ينتهج السياسات الاقتصادية لسلفه فرناندو إنريكو كاردوسو. وفي الأوروغواي يوجد زعيم يساري ما برح يسعى للتوصل إلى إبرام اتفاق تجارة حرة مع الولاياتالمتحدة". وأشار هار إلى ما تحقق من تقدم اقتصادي وتطور مؤسساتي في تشيلي وكوستاريكا وبنما قائلاً:"إن العلاج لا يكمن في الماركسية ولا في الاشتراكية، وإنما في الرأسمالية الديموقراطية. والعنصر الرئيس هنا هو القيادة، وما إذا كان الأشخاص الذين يترشحون لتولي مناصب عامة شرفاء وملتزمين".