لم تكن التظاهرات التي عمت شوارع مدينة باتنا شرق الهند أخيراً، تنديداً بالسلوك العنصري الذي مارسته ثلاث نجمات بريطانيات المغنية جو أوميرا، الممثلة جايد غودي وعارضة الأزياء دانيال لويد ضد الممثلة الهندية شيليا شتي في برنامج"الاخ الأكبر"الذي تعرضه القناة الرابعة في بريطانيا، ليثير اهتمام الحكومة الهندية ومجلس العموم البريطاني لولا ما بات الإعلام المرئي يعكسه من اتساع الهوة بين الشرق والغرب... فبين غرب يزداد تقوقعاً وخوفاً على امنه ورغبة في التخلص من الإرهاب، وشرق متهم بإنتاج أو بإيواء مجموعات متطرفة قد يصح اعتبارها"صاحبة مسؤولية في وصول الغرب الى هذا المستوى من الرعب الجماعي"، هل هناك مكان لأصوات ثالثة؟ هذه المسألة مطروحة اليوم وليس فقط في مجال الصراع الحاد والمتزايد بين الإرهاب والمعارضين له، فالانقسامات باتت من الحدة، حتى صار من غير المنطقي أن يدّعي أحد أنه موضوعي، محايد، أو حتى معتدل. ذلك انه بين الفعل ورد الفعل يبدو الحياد الصوت الثالث جزءاً من الماضي. ومع هذا ثمة من يحاول ان يعثر على تلك الأصوات. أو هذا على الأقل ما نفهمه في البرنامج الوثائقي"الحرب في الداخل"الذي يعرض اليوم على شاشة"سي. أن. أن.". وتحاول من خلاله رئيسة المراسلين الدوليين في"سي.أن.أن"كريستيان أمانبور أن تقول أن الانشقاق الأساس ليس فقط بين المتطرفين الاسلاميين والمجتمع الغربي، بل خصوصاً داخل الصفوف المسلمة انفسها... كل هذا من خلال"كشف النقاب عن الصراعات الثقافية"، بحسب تعبير البرنامج،"داخل الجاليات الاسلامية"في بريطانيا. وهي تستنتج بعد جولة متعددة الأوجه ولقاءات متشعبة أن من يُحدث الفتنة إنما هي"أقلية متطرفة"وليس كل المسلمين أو بقية الأقليات العرقية أو الدينية في بريطانيا.. فالأمر، بحسب البرنامج وعلى عكس ما قد توحي به وسائل الإعلام يقوم على صراع خفي لكنه أساسي أيضاً، يدور تحت السطح بين المعتدلين الذين يرون أن في الإمكان أن يعيشوا في سلام، والمتطرفين الذين يؤكد البرنامج انهم أقلية. صراع داخلي الحقيقة الأولى التي يحاول هذا الوثائقي الدنو منها هي كيف أن الهجمات التي طاولت شبكة النقل والمواصلات في لندن في 7 تموز يوليو 2005، إضافة الى إحباط الخطة الإرهابية التي استهدفت الخطوط الجوية في آب أغسطس 2006، قد أثرتا في تصاعد التوتر حتى داخل مختلف الفئات في الجالية الإسلامية. ويتعزز هذا الأمر من خلال وصول البرنامج الى استنتاج مفاده غياب الرؤية الموحدة بين الجاليات المسلمة. إذ بينما يقدم مسلمون شهادات الى البرنامج حول ما يعيشونه من خوف يسببه"متطرفون خطفوا دينهم وحرفوا تعاليمه ونشروا الرعب وعدم التفهم بما يرتكبونه باسم الإسلام"، يقدم البرنامج، في المقابل، أصواتاً متطرفة تناهض هذه الرؤية. فمثلاً نسمع أنجيم شوادري وعمر بروكس يطالب أحدهما بتطبيق الشريعة الإسلامية في بريطانيا، بينما يعتبر الآخر أن القرآن الكريم يقر بالعنف، وهو كلام يستنكره الإمام أسامة حسن وهو فقيه حفظ القرآن الكريم منذ كان في سن الحادية عشرة، إذ يقول لمقدمة البرنامج أن المتطرفين يحرفون تعاليم الإسلام ليبرروا نياتهم السيئة. ويشير الى ان هؤلاء أقلية..."لكن الأقلية كافية بالطبع لإحداث دمار هائل". ولعل التصادم الثقافي الذي واجهته الممثلة الهندية في برنامج"الأخ الاكبر"يبرر ما قاله أحد الأعضاء المسلمين الأربعة في مجلس النواب البريطاني لكريستيان أمانبور من"ان الجالية الإسلامية تشعر بأنها تحت الحصار... لا بل اكثر مجتمعاتنا بأسرها باتت تحت المجهر". فهل يفسر هذا تدخل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لحسم الجدال الدائر حول برنامج"الأخ الاكبر"، وانتقاده كل مظاهر العنصرية؟ * يعرض اليوم في الساعة 20 بتوقيت غرينتش على شاشة "سي.أن.أن"