بعد عامين من الخطوبة، بانتظار تحسن الوضع الامني، عقد هشام سني من منطقة الاعظمية في بغداد قرانه على اسراء شيعية من منطقة حي العامل في العاصمة، سراً ومن دون اي مظهر من مظاهر الفرح تحسباً من المسلحين. ويذكر هشام كيف ان العنف الطائفي المتصاعد كان يمنعه في كثير من الأحيان من الوصول الى منزل اسراء في حي العامل، التي تسيطر عليها ميليشيات شيعية، في حين يسكن في منطقة الاعظمية السنية. لكن على رغم كل ذلك، لم يؤثر الاحتقان الطائفي في قراره بالزواج من فتاة من مذهب مختلف. وحال هشام ليست وحيدة أو استثناء. وعلى رغم التوتر الطائفي، الذي اودى بحياة الآلاف من الاهالي، يتمسك البغداديون بتقليد الزواج المشترك بين المذاهب، في تأكيد طبيعي على عمق روابط العيش المشترك بين السنة والشيعة. ولم تسلم بعض حفلات الأعراس من التعرض لهجمات المسلحين، وكان أبرزها الهجوم الذي استهدف موكب السيارات الذي كان يحمل عروسين في حي سومر شمال بغداد قبل فترة، ما أدى الى عقد حفلات الزفاف في بغداد سراً او على نطاق عائلي محدود بعدما تخلى العرسان الجدد عن جميع المظاهر التقليدية، ابتداء من حفلة العرس وانتهاء ب"الزفة". ويذكر احمد، الذي تزوج قبل اسبوعين، ان يوم زفافه كان الاحد وليس الخميس كما هو معتاد، كي لا يلفت الانتباه. ويقول"لأننا نسكن في منطقة الدورة المتوترة طائفياً، وتشهد صراعاً بين الميليشيات، لم يكن هناك مطرب او فرقة موسيقية يوم الزفاف، لأن هذه المظاهر اصبحت محرمة في منطقتنا. حتى ان اهل العروس طلبوا عدم تزيين سيارة الزفاف كيلا يهاجمها المسلحون". ويلاحظ في بغداد ان موكب سيارات الزفاف، التي تحمل العروسين والاهل والاقارب الزفة غير مزينة كما في السابق، ويقتصر على سيارة العروسين وسيارتين الى جانب ثلاثة من الاقارب الذكور المسلحين لحماية العرسان، بسبب انتشار التيارات الدينية المتطرفة في بغداد التي تحارب الاعراس القديمة التي اعتاد عليها العراقيون وتدعو الى اقامة"الاعراس الدينية"التي بدأت تُقام في الكثير من مناطق بغداد، وهناك مكاتب خاصة لاحياء المناسبات والحفلات الدينية. ويقول ثائر جبار، احد متعهدي الاعراس الدينية،"نحن مسلمون... الغناء والموسيقى والرقص من المحرمات، وتجب محاربتها. والاعراس الاسلامية هي التي ستسود". وتغيرت في الفترة الاخيرة ازياء العروسين فأصبح بعض العرسان يرتدي الزي العربي الدشداشة فيما ترتدي العروس النقاب البوشي. ومن جهة ثانية، تكاد محلات الفرق الموسيقية وقاعات المناسبات تختفي في بغداد، ولم يبق منها سوى عدد محدود جداً بعدما تلقى الكثير من اصحابها تهديدات بالقتل. ويذكر علاء، وهو صاحب محل فرق موسيقية، انه تلقى تهديداً مكتوباً يحذره من الاستمرار بهذه المهنة. واضاف"أسعى الى تغيير نشاط المحل الى تأجير مستلزمات المآتم بدلاً من الاعراس، لأن المآتم اصبحت اكثر". ويقول ابو حاتم، صاحب قاعة الورد للحفلات في الدورة، انها"مغلقة منذ عامين تقريباً بعدما تعرضت لهجوم بالقنابل من مسلحين".