على أصوات الطبول وأنغام الموسيقى الشعبية طوت منطقتا ابو سيفين والفضل التاريخيتين المتجاورتين والمختلفتين مذهبياً وسط بغداد، صفحة مريرة من العنف الطائفي استمر أكثر من عشرة أيام وحصد 97 ضحية، بين قتيل وجريح، وفق احصاءات وزارة الداخلية، عبر تفاهمات بين وجهاء الحييين. المواجهات الطائفية انطلقت شرارتها بين المنطقتين في وسط بغداد، بعد هجوم ليلي شنه مسلحون ملثمون يرتدون اللباس الأسود على حي الفضل، وقوبل برد عنيف من فرق الحماية الذاتية، انتهى كما يبدو بمأدبة غداء كبيرة، اقيمت في المجلس البلدي في الرصافة، حضرها جميع الأهالي وسط أنغام الموسيقى الشعبية. وأكد اللواء عبدالجبار محمد، القائد العسكري لمنطقة الرصافة ان"المشاكل الطائفية التي اندلعت بين حي الفضل ذي الغالبية السنّية وحي ابو سيفين ذي الغالبية الشيعية كان وراءه أيد خفية تهدف إلى تأجيج الوضع الطائفي في المناطق والاحياء المتجاورة". وقال ل"الحياة"إن"مسلحين مجهولين استخدموا حي ابو سيفين منطلقاً لشن هجمات يومية على حي الفضل في ساعات متأخرة من الليل على رغم حظر التجول المفروض في المدينة، ما دفع اللجان الشعبية المسلحة إلى الرد عليهم"، موضحاً أن هذه"المناوشات الليلية تطورت الى احتقانات طائفية بين السكان ودفعت بعضهم الى حمل السلاح لإسناد الطرفين، فتدخل المجلس البلدي في الرصافة لتوقيع ميثاق شرف بين رجال الدين ووجهاء المنطقة والمسؤولين". واشار إلى"خطوات مماثلة في باقي الأحياء في بغداد التي يقطنها خليط طائفي من السنّة والشيعة لمنع وقوع حوادث مماثلة كما حدث في أقدم الأحياء السكنية التي يقطنها سكان بغداد الأصليين غير المهاجرين من مدن الشمال والجنوب وهو في الوسط التجاري الى جانب أسواق الشورجة الشهيرة القريب من شارع الرشيد". من جانبها، أصدرت وزارة الداخلية بياناً اعلنت فيه"توقف العنف الطائفي في عدد من أحياء بغداد، بعدما تم توقيع ميثاق شرف بين السكان في مناطق الشيخ عمر والباب المعظم والسنك وابي سيفين والفضل بحضور وزير الداخلية وممثلين عن وزارة الدفاع والتيار الصدري ومديري شرطة الرشيد والباب المعظم". وأكد البيان، الذي تلقت"الحياة"نسخة منه، ان"الميثاق تضمن نبذ الطائفية وتأكيد وحدة التلاحم الوطني، والعمل من أجل عراق واحد وشجب المظاهر المسلحة في الأحياء السكنية واقتصار استخدام السلاح على الأجهزة الأمنية الرسمية الى جانب رفع بعض الحواجز الكونكريتية التي تفصل بين الاحياء المذكورة واستبدالها بنقاط تفتيش ودوريات لرجال الشرطة". وتؤكد وداد عبدالله موظفة في جامعة بغداد وتسكن في حي الفضل أن"غالبية العاملين في الدوائر الرسمية لا سيما النساء انقطعوا عن الدوام لأكثر من أسبوع بسبب اندلاع المواجهات الطائفية بين الاحياء السكنية المتجاورة في المنطقة". وتقول ل"الحياة"ان"المدنيين هم اكثر المتضررين من هذه الأعمال التي غالباً ما تبدأها جماعات مسلحة او ميليشيات حزبية ترتدي الزي الرسمي لرجال الشرطة". ويرى مواطنون آخرون ان المشاكل الطائفية التي بدأت تظهر بين الاحياء المتجاورة تركزت في المناطق الشعبية التي يقطنها الفقراء. ويؤكد الشيخ محمود الصميدعي، عضو"هيئة علماء المسلمين"، ان"الاحياء السكنية التي يتمتع سكانها بنسبة جيدة من التحضر والثقافة باتت اقل تأثراً بالمسألة الطائفية". ويقول ان"غالبية الأهالي في احياء مثل المنصور والغزالية والمسبح يؤدون الصلاة في جامع واحد على رغم اختلاف مذاهبهم". ويرى ان"الصراع بين الميليشيات المسلحة والمسلحين المتشددين والمدفوعين بخطاب ديني متشدد من بعض رجال الدين وخطباء الجوامع انعكس سلباً على الروابط الاجتماعية في الاحياء الفقيرة، فيما فشلت هذه الجماعات في اثارة النعرة الطائفية في الاحياء الأخرى.