يصعب الحديث عن المشهد السينمائي العراقي خلال العام الفائت، بمعزل عن الأحداث السياسية التي تعصف بالعراق. إذ لا يمكن فصل السينما العراقية عن وقائع اليوميات العراقية وتعقيداتها. فمثلما أن الشعب العراقي يعيش في ظل الاحتلال والتفجيرات ورائحة الموت والحرمان، فإن فنونه أيضاً تعاني وتتأثر بطبيعة الظروف المحبطة لكل إبداع. غير أن ثمة مبادرات فردية تحاول، وبصعوبة، أن تكسر العزلة المفروضة، وتقول شيئاً وسط هذا الخراب من خلال اللوحة أو المسرح أو الأدب أو السينما. ولعل المثال الأبرز، هنا، هو ما قامت به المخرجة العراقية ميسون الباجه جي بالتعاون مع المخرج قاسم عبد في إنشاء كلية السينما والتلفزيون المستقلة ببغداد بدعم من منظمات وهيئات دولية. أتاحت هذه التجربة الفرصة لبعض الشبان كي ينجزوا مشاريعهم السينمائية، فحققت هبة باسم فيلماً تسجيلياً قصيراً بعنوان"أيام من بغداد"، نال جائزة من مهرجان"الجزيرة"في الدوحة، وجائزة أخرى من مهرجان روتردام، وعرض في مهرجانات دولية عدة مثل الاسماعيلية، وقرطاج، ولندن. وحقق مناف شاكر فيلم"صديقي عمر". بينما أنجزت كفاية الصالح فيلم"حوار"، في حين حقق ظافر طالب فيلمه"سيبدأ العرض"، ثم أنجزت ميسون الباجه جي فيلمها التسجيلي الطويل"عودة لبلد العجائب". ومن الأفلام العراقية المهمة فيلم ليث عبد الأمير التسجيلي"أغاني الغائبين"، الذي حصل على تنويه من لجنة التحكيم في مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية الأخير، وتم الاحتفاء بهذه الأفلام وغيرها في مهرجان الأفلام الوثائقية العراقية في لندن في أيار مايو الماضي. على العكس من هذا يمكن القول ان المشهد مختلف على صعيد الفيلم الروائي الطويل، فقد حقق عدي رشيد فيلم"غير صالح"الذي عرض في مهرجانات عدة بينها مهرجان"المدى"الذي أقيم في مدينة أربيل، بينما قام محمد دراجي بإنجاز فيلمه الروائي الطويل"أحلام"خارج العراق، وعلى رغم أن هموم السينما الكردية تختلف في توجهاتها وقضاياها عن هموم السينما العراقية، فإن تجارب سينمائية لافتة ظهرت في كردستان العراق، مثل فيلم"الكيلو متر صفر"للمخرج هونر سليم الذي استمر عرضه في المهرجانات الدولية، وكذلك فيلمه"فودكا بالليمون"، في حين حقق المخرج لوند عمر فيلم"دموع بيخال"، بينما أثبت بهمن قبادي حضوراً مهماً في مهرجانات دولية عبر أفلام عدة، منها"نصف قمر"، وپ"السلحفاة أيضاً تستطيع الطيران". وبرزت كذلك تجربة المخرجة الكردية هنار فرهاد من خلال فيلميها"أكشن"وپ"الحيوانات"، كما عرض في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير الفيلم الكردي"العبور من الغبار"للمخرج شوكت أمين كوركي. وتشير الأنباء الى أن حكومة إقليم كردستان تعتزم إنتاج فيلم يتناول حياة الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى البرزاني والد مسعود البرزاني رئيس الإقليم حالياً سيتولى إخراجه المخرج المصري علي بدرخان بمشاركة ممثلين عالميين. المشهد السينمائي العراقي مبتور هذه السنة كما في السنوات السابقة: أفلام قليلة، وصالات سينمائية مغلقة باستثناء واحدة اسمها"أطلس"تعمل في بغداد وتعرض أفلاماً على أقراص دي في دي في ظل غياب معدات العرض السينمائية. كما أن كميات كبيرة من الفيلم الخام تعرّضت للسلب والنهب، وذوبت بقصد إخراج نترات الفضة منها وبيعها. تقول فتاة عراقية ان شقيقتها الصغرى البالغة من العمر سبعة عشر ربيعاً طلبت منها، لدى وصولهما، أخيراً، الى دمشق، الذهاب الى صالة عرض سينمائية كي تتعرف الى فن اسمه السينما لم تستطع أن تشاهده قط في بلدها العراق، ولعل هذه الواقعة البسيطة تختزل المشهد السينمائي العراقي خلال هذا العام، والأعوام القليلة الماضية!