بات من المؤكد بعد الأحداث المؤسفة التي نشاهدها في شوارع غزة، أن عجلة التوافق الوطني تعود الى الوراء نظراً الى انفلات هذا الشارع، فالتوافق بات ميتاً قبل ولادته، وقبل أن تسعى الحركات والفصائل التنظيمية الفلسطينية، وحتى الدول العربية كمصر ودول الخليج الى حل هذه الأزمة التي أرهقت الفلسطينيين أكثر من إرهاقات جيش الاحتلال الإسرائيلي لهم. فسرعان ما تندلع شرارة الفتنة في شوارع قطاع غزة، لا سيما أن المسلحين في تلك الشوارع كُثر، والرصاص بات متوافراً لكل فلسطيني شاباً كان أم طفلاً، في ظل غياب توحد الرؤية الفلسطينية الواحدة والمنهاج الفلسطيني لمقاومة الاحتلال حتى التحرير إن كان هناك تحرير أصلاً! فسقوط القتلى من الطرفين يجعلنا نودع كل التفاهمات وسهر الليالي في إخماد نار الفتنة التي قفزت فوق كل ألوان الطيف السياسي وغير السياسي، وصار من المؤكد أن حكومة الوحدة الوطنية أصعب من بلوغنا السماء. وبات طبيعياً أن يفلت زمام الأمور من أيدي من يحركونها، وهي بالكاد ستلتهم أياديهم التي تلطخت بدماء شبابنا الفلسطيني مهما طال بها الزمن. من يشاهدنا اليوم يظن بأننا حررنا القدس وأطلقنا سراح الأسرى ولم يبق لنا سوى كراسي الدولة لنتنازع عليها ونقتسم الكعكة كلٌ حسب حجم كرش قادتنا. حتى صار من الطبيعي أن ندعو الله الى اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة من جديد، ليتوقف نزيف الدم الداخلي الفلسطيني الذي يسفك من دون شفقة أو رحمة من احد، ومن دون أن يحرك هذا الدم النازف ضمير مسؤولينا الكثر في هذا الزمن. وحتى يتجه الرصاص إلى وضعه الطبيعي في صدور القوات الغاصبة أراضينا. فقتالنا الداخلي هذا ليس سوى بداية اللعبة التي من المؤكد أن نهايتها ستكون وخيمة على جميع الإطراف وجميع ممسكي الهرمين الكبيرين، وكأننا استحسنا قتال الفتنة في العراق. ببساطة، وكوني أدرك أن شعب غزة يعشق الكرة المصرية، فإن نادي الأهلي فاز على الزمالك في مباراة"الدربي"بهدفين لواحد، وخرج الاثنان راضين عن نتيجة المباراة، لا سيما وأن الزمالك لعب جيداً ولكن لم يحالفه الحظ في إدراك التعادل، بينما ظفر النادي الأهلي بثلاث نقاط غالية في رصيد الدوري المصري ويتصدر تصنيف الدوري المصري الممتاز. وعلى هذه الشاكلة لا بد من أن تكون فصائلنا الفلسطينية، وأن تدرك أن هناك فائزاً وبالتالي سيكون هناك فريق مهزوم. لكن في حالتنا، فإن كلا الطرفين يقع في دائرة الخسارة القاتلة، وفي حالتنا أيضاً، من العيب أن يكون الحكم عندنا هو الاحتلال الإسرائيلي. إلى هنا انتهى التعليق وانتهت المباراة، وخسر الجميع وبقي الاحتلال جاثماً فوق صدورنا، فيما انهارت ترسانة المقاومة الفلسطينية.. وانهار الشعب من ورائها. يوسف صادق - بريد الكتروني