الدور المصري في قطاع غزة ... والضفة الغربية مطروح لأن اسرائيل بددت كل الخيارات الأخرى، وتفضل التعامل مع أوهامها بدل التعامل مع الحقائق على الأرض. ففي نهاية المطاف، اذا كان الانسحاب من غزة سيحصل فإن الفلسطينيين هم الذين سيتسلمون المناطق المحررة. وبالتالي فإن كذبة التعامل مع البديل المصري أو الأردني لن تصمد طويلاً. مصر طلبت موافقة السلطة الفلسطينية لتتمكن من القيام بدورها. وستجمع ممثلين للفصائل الفلسطينية كافة في القاهرة لبلورة توافق تام على دورها. السلطة وافقت لأنها تريد تحريك الوضع المسدود، ولأنها تحتاج الى أي دور مساعد، ومن الأفضل أن يكون مصرياً. الفصائل لديها ملاحظات وانتقادات ومخاوف، وهذا أمر طبيعي. حتى السلطة التي أبدت موافقتها الصريحة، لديها أيضاً اعتبارات، ليس ضد مصر وانما لأنها كما في كل مرحلة تريد أن تتعرف الى المرحلة التالية. فالتجربة مع الاسرائيليين، منذ أوسلو، لم تبن سوى الشكوك، كما أن شارون وعصابته واضحان في عدم اعترافهما بوجود الطرف الآخر، الفلسطيني. أياً تكن صيغة الدور المصري، فإن الأفضل للمصريين والفلسطينيين أن لا تكون الصيغة التي يحددها الاسرائيليون. فهؤلاء يبحثون منذ مدة عمن يلقون عليه اعباءهم، بل كانوا يجندون وجود طرف فلسطيني يستطيعون تكليفه والاعتماد عليه بالمهمات التي يقوم بها جنودهم. ومن الواضح ان هذا الطرف لم يظهر، كما ان المغازلات الأميركية والاسرائيلية لهذا الشخص أو ذاك لم تفد في تغيير الواقع الفلسطيني. فحتى الذين يرغبون في أدوار ومناصب، والذين تشجعوا بالدعم الأميركي والاسرائيلي، أدركوا انهم يسبحون في خدعة عميقة ولا يستطيعون القيام بأي عمل من دون شرعية يستمدونها من شعبهم. وهكذا، وجد شارون ضالته في خطة الانسحاب. إذ أنه يعرض"الجزرة"التي يستحسنها الجميع طالما انه ينوي الانسحاب"طوعاً"من أرض يحتلها، لكنه يعرض"العصا"التي لا يوافقه فيها أحد عملياً لأنه يريد الانسحاب لمصلحة فوضى يساهم في صنعها ويتلاعب بها ولا يريد تسليم المناطق التي يخليها الى سلطة فلسطينية لا يعترف بها. انها السلطة التي حاربها وبذل ما يستطيع لابادتها ودفنها، ومع أنه يعرف جيداً انها لا تزال موجودة ولو ضعيفة إلا أنه يبني خططه على أساس انها خارج أي لعبة. اذاً، لا بأس هنا باستدعاء الدور المصري، لكن القاهرة التي لا تثق بشارون لم تتحمس للفكرة، حتى بعدما فاتحها الأميركيون بها وبعدما أبدى الأوروبيون دعماً لتدخلها. الأكيد ان الوحشية المبرمجة التي أبداها الاسرائيليون في رفح ساهمت في حسم التردد المصري، خصوصاً بعدما مررت واشنطن قراراً في مجلس الأمن ضد اسرائيل. مع ذلك، لا بد للدور المصري من ضمانات صلبة. وإذا كان جورج بوش وارييل شارون هما مصدر هذه الضمانات، فمن الصعب جداً طمأنة أي طرف الى أنه يستطيع العمل من دون مفاجآت سيئة. والواقع ان الجميع يتحرك الآن، اقليمياً ودولياً، في هامش رسمه شارون عبر خطة الانسحاب من القطاع. ولعله يتطلع الى ان يلتزم الجميع، بمن فيهم المصريون والفلسطينيون، قواعد اللعبة كما وضعها. والمعروف من هذه القواعد ان"خطة الانسحاب"كما وافقت عليها عصابة شارون مرشحة للتعديل، فهي تطرح حيناً بانسحاب كامل، وحيناً آخر بانسحاب جزئي، ثم بانسحاب على مراحل. كما انها تطرح في كل الاحيان على اساس احتلال غير معروف النهاية للضفة وقضم اجزاء منها فضلاً عن اعتماد الجدار حدوداً شبه نهائية مع كل ما ابتلعه من اراض في طريقه، وفوق كل ذلك يريد الاسرائيليون ان يكون لهم"حق"الدخول والتدخل في القطاع"لدواع امنية". لكي يكون الدور المصري ناجحاً ومجدياً، ينبغي ان تتخلى عصابة شارون عن معظم سياستها الراهنة، ليكون انسحابها من قطاع غزة مدخلاً حقيقياً الى مرحلة تفاوض على سلام نهائي. لا يمكن ان يكون المصريون هناك مجرد شهود زور، فهم يريدون المساعدة لكنهم في كل الاحوال ضد الاحتلال ويرفضون ممارساته الارهابية. و بالتالي فإنهم غير معنيين ب"تسهيلات"للاسرائيليين للقيام باغتيالات او لهدم بيوت او لجرف اراض او لضبط الفلسطينيين فيما يقوم الاسرائيليون باجتياحات. ومن شأن المصريين ان يتشددوا في توضيح الضمانات لأن التزام شارون وعصابته ب"خريطة الطريق"كذبة مكشوفة لا تشبه إلا كذبة التزام بوش وادارته تلك الخريطة. فإذا لم يكن هناك توجه واضح نحو التفاوض فإن الدور المصري سيصبح تورطاً وقد يستخدم تغطية لما لا يرضى المصريون بتغطيته.