العراق، ونحن نقترب من أربع سنوات منذ "التحرير"، يتخبط في أتون حرب أهلية، حكومته متطرفة طائفية لا يمكن أن توحد البلاد، وهو من دون ديموقراطية أو حكم قانون أو جيش قادر. العراق بعد"انجاز المهمة"خسر حوالى مليون من أبنائه، وأنا أرجح أرقام مجلات طبية وجامعات بريطانية وأميركية وباحثين غربيين على أرقام وزارة الصحة التي تجعل الضحايا من المدنيين 150 ألفاً. العراق اليوم أسوأ منه أيام صدام حسين، كلنا يعرف هذا وقد قاله 90 في المئة من العراقيين في استطلاع أخير منشور للرأي العام العراقي. العراق يتركه مئة ألف من أبنائه كل شهر، وهناك 1.6 مليون مهاجر عراقي منذ الحرب، والكل يستقبل اللاجئين العراقيين، باستثناء الولاياتالمتحدة، وهي قارة حجماً مع ذلك استضافت حتى الآن 500 لاجئ. ماذا أزيد؟ ادارة بوش من الفشل انها وعملاءها المحليين نظموا محاكمة غير شرعية لصدام حسين، ولم تعرض جرائمه الكثيرة الفظيعة على امتداد عقود حكمه، وإنما دين في قتل 148 شيعياً في الدجيل، بدل عشرات ومئات الالوف الآخرين من الأكراد والشيعة، ومعهم الايرانيون، وأهل بيته الأقربون. وكان اعدامه قتلاً مارسته عصابة طائفية، وتحول من مجرم بإجماع الآراء الى"شهيد"، أو ضحية، وهو الذي ترك وراءه ضحايا تفوق أعدادهم الحصر. الأميركيون أيضاً خسروا. هم دخلوا الألف الرابعة من قتلى الحرب، وهو رقم محدود بالذين ماتوا في القتال، ولا يضم ضحايا حوادث سير أو سقوط طائرات، أو مرض، أو انتحار، وكل هذه ما كانت حصلت لولا الحرب. ثم هناك 400 بليون دولار انفقت على تدمير العراق وقتل أهله حتى الآن، ومع نفقات شهرية للحرب تزيد على ثمانية بلايين دولار في الشهر. أعرف أن لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، ولا أبكي، وإنما أعرض الوضع لأن الرئيس بوش سيطلع علينا اليوم باستراتيجية جديدة للنصر. هو، كما فهمت، سيزيد القوات الأميركية في العراق 20 ألفاً، وربما 30 ألفاً، وسينفق بليون دولار لإيجاد وظائف للعراقيين في بلد نسبة البطالة فيه 70 في المئة، ويضع مهمات للتحقيق يفرضها على الحكومة العراقية بعدما فشلت حكومته في تحقيقها. عشرون ألف جندي وبليون دولار ونقل المسؤولية الى الآخر هي الاستراتيجية الجديدة. كيف وصل الرئيس الى هذا القرار؟ أمسك بيده معهد أميركان انتربرايز، معقل المحافظين الجدد، فالرئيس كفيف سياسياً، وهداه الى استراتيجيته الجديدة عبر تقرير كتبه أحدهم فردريك كاغان، وعنوانه"إختيار النصر"ويضم خرائط، بما فيها واحدة لبغداد وشوارعها وكيف يسير الرئيس فيها، ويقول إن النصر لا يزال ممكناً، ويقترح مساعدات لإعادة التعمير وتحسين الحياة اليومية للعراقيين. الرئيس لا يزال يسمع للناس الذين طلبوا الحرب وكذبوا في سبيلها وأوقعوه فيها. وهو يفضل نصحهم على تقرير مجموعة دراسة العراق الذي دعا الى خفض تدريجي للقوات الأميركية، واشراك ايران وسورية في الحل. بل هو يمضي في طريق الخراب، وقد خسر الانتخابات النصفية الأميركية بعد أن حكم الأميركيون على الحرب بالفشل، ولا يبدو أنه يفهم أن هناك غالبية ديموقراطية في مجلسي الكونغرس، وأن الغالبية تعارض زيادة القوات والانفاق. وقد أعلنت ذلك صراحة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، وهاري ريد، رئيس مجلس الشيوخ. وهو لا يدرك على ما يبدو أن لجان الخارجية والقوات المسلحة والاستخبارات والأمن الوطني والعدل أعدت حتى الآن 13 استجواباً لأركان الإدارة حول الحرب، وقد قبل وزير الدفاع روبرت غيتس ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس المثول أمام التحقيق. كيف يمكن أن يتصور جورج بوش ان احلال ديفيد بيتربوس قائداً على القوات الأميركية في العراق محل جون كيسي سيحل المشكلة، لمجرد أن الأول يقبل زيادة القوات والثاني يعارضها، الرئيس لم يسمع أن اللفتنانت جنرال ريموند أودييرنو، قائد العمليات الجديد في العراق، يتحفظ عن زيادة القوات، وأن عدداً من أبرز القادة العسكريين الأميركيين يعارضها، كما قرأنا في مقالات تفوق الحصر، وفي مقابلات الأحد التقليدية على التلفزيون الأميركي. مرة أخرى، لا أتهم الرئيس بوش شخصياً بشيء غير الجهل المطبق، غير أن الذين يحرّضونه على"مواصلة المسيرة"لا بدّ من أن يكونوا أفضل اطلاعاً منه، وهم بالتالي لا بد يدركون أن مصير الاستراتيجية الجديدة الفشل، فهل يكون هدفهم بعد الفشل تطبيق"الخطة باء"وتقسيم العراق. لا أضع اللوم كله في خانة جورج بوش أو عصابة الحرب، فالعراقيون يساعدون أعداءهم بحماسة ونشاط. وما اعدام صدام حسين بالطريقة الهمجية الطائفية التي سجلتها كاميرات المحمول والهتافات التي رددت سوى عمل غير واعٍِ أو غير مسؤول لتأجيج نار الحرب الأهلية، لتصل الادارة الأميركية الى نقطة تقول معها إن من الواضح أن العراقيين لا يستطيعون التعايش بعضهم مع بعض، وأن تقسيم البلاد على أسس طائفية وإثنية هو الحل الوحيد الباقي. ما هو الحل؟ لست من الغرور أن اعتقد بأنني استطيع الطلوع بحل قصرت عنه حكومات ومراكز بحث، ولكن ما أعرف هو أن جريمة ارتكبت بحق العراق وشعبه، وأن خطاباً من جورج بوش لن يطمسها. وما أعرف أيضاً هو أن الذين ارتكبوا الجريمة معروفون، ويجب أن يحاكموا، فهم يستحقون المحاكمة مثل صدام حسين والذين حاكموه وأعدموه. بل أزعم أن صدام حسين أقل ذنباً منهم فهو مع ما ارتكب من جرائم استطاع في النهاية ضبط البلاد، أما هم فارتكبوا جرائم مماثلة، وانتهوا بفلتان أمني دمر مستقبل البلاد والعباد.