عندما تسلم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قيادة الجيش من الجنرال الأميركي جورج كايسي الخميس في المنطقة الخضراء، كان واضحاً تماماً التحدي الذي يواجه هذا الجيش الذي يفترض أن يكون قوة تحمي الوحدة الوطنية. وينبئ الوجود المحدود للقوات العراقية داخل مجمع الحكومة في بغداد بما ينتظرها من مشقة إذا كان لها ان تصبح أداة لمنع انزلاق البلاد إلى حرب أهلية، والسماح لرحيل مشرف للقوات الأميركية البالغ عديدها 140 ألف جندي. ويوفر الجنود الأميركيون قوة النار الكثيفة والتغطية الجوية والمراقبة بأساليب التكنولوجيا الحديثة التي تجعل تلك المنطقة الحصينة المترامية الأطراف في قلب المدينة آمنة، كما يحيط الزعماء العراقيون مكاتبهم ومقار اقاماتهم بجيوشهم الخاصة وليس بالقوات العراقية. وتعهد الائتلاف الحاكم بزعامة المالكي حل الميليشيات الطائفية والعرقية وبناء جيش للدفاع عن الدولة. وحتى الآن ينتشر خليط من القوات السنّية والكردية والشيعية في مقر الحكومة، ما يسلط الضوء على عدم الثقة المتبادلة التي تعيق حركة الجيش. وقال مسؤول عراقي عن الميليشيات الحزبية التي تتولى حراسة مقر عمله والذي مثل مكاتب حكومية كثيرة يعد اقطاعية لفئة واحدة"اننا نثق في ناسنا". وبعض هذه الجيوش الخاصة، لا سيما قدامى المقاتلين من الشيعة والأكراد الذين خاضوا حروب عصابات طويلة ضد صدام حسين، لديهم خبرة أكبر ومعدات أفضل من الجنود العراقيين الجدد. ودرب الأميركيون الجيش العراقي، على مدى العامين الماضيين، ومن المقرر أن يصبح بكامل قوته في غضون بضعة أشهر. وقال الجنرال كايسي، الاسبوع الماضي، إن أمام الجيش العراقي ما بين 12 و18 شهراً لتحمل المسؤوليات من دون مساعدة أميركية ضخمة. ولا يشكك في هذه الحقيقة سوى عدد قليل، ولكن بعض المحللين يتساءلون عما اذا كانت مثل هذه القوة ممكنة. ويتساءل بعض الضباط الأميركيين عما اذا كان لدى الزعماء العراقيين الإرادة السياسية لذلك. وكتب لاري داياموند وهو مستشار أميركي في العراق في مجلة"فورين افيرز":"العراق ببساطة لا يمكن ان يبقى موحداً لفترة أطول من دون جيش وطني يدافع عن النظام السياسي الجديد". ووصف داياموند، وهو أحد منتقدي معظم السياسة الأميركية، الجهود الرامية الى اعادة بناء القوات المسلحة العراقية بأنها"نجاح اضافي". ولكن مسؤولاً عسكرياً أميركياً كبيراً قال إن"أداء قوات الامن العراقية سيكون جيداً أو سيئاً بقدر ما تسمح به الحكومة"، مشيراً الى القيود التي تواجهها القوات العراقية في مواجهة الميليشيات المرتبطة بأحزاب مشاركة في حكومة المالكي. وتحدث كايسي عن وسيلة قوية تنهي ما وصفه جنرال آخر ب"مناخ عدم الثقة"بين العراقيين تجاه قواتهم، وذلك"عندما يبدأ الناس بالشعور بقدر أكبر من الثقة في قواتهم الأمنية، سيشعرون بأنهم أقل احتياجاً الى الاعتماد على الميليشيات". ولكن وزارة الدفاع الأميركية، التي تشكل إعادة بناء قوات الأمن العراقية العنصر الأساسي في استراتيجيتها لاشاعة الاستقرار وسحب قواتها، أشارت الى"عقبتين اخريين أمام التقدم"، هما: الفرار من الخدمة في الجيش والانقسامات الطائفية. وجاء في التقرير"هناك اتجاه لأن يقود قادة الفرق المنتمون إلى جماعة بعينها الجنود الذين يشاركونهم الخلفيات الطائفية او الاقليمية". وأشار أيضاً الى ان معدلات"التغيب"ترتفع الى ثمانية في المئة عندما يتم نشر وحدات للقتال يقودها قادة ليس لديهم نظام عقاب قانوني لوقف الغياب عن الخدمة. وخاطب المالكي القوات العراقية مباشرة الخميس، قائلاً:"عليكم ان تتبعوا التسلسل القيادي". وفي حالتين على الأقل احداهما حدثت الشهر الماضي تمرد الجنود العراقيون ورفضوا دخول مناطق قتالية. وفور قدومهم الى هناك، حظيت قدراتهم القتالية بمزيج من المراجعة من قبل القادة الأميركيين واشادة كبيرة مشوبة بالحذر. وفي الاسبوع الماضي ارسلت القوات الأميركية الى الديوانية بعد أن مني الجيش العراقي بما لا يقل عن 20 قتيلاً في قتال مع ميليشيات شيعية. وقال كايسي إن الجنود العراقيين أبلوا"بشكل حسن تماماً". ويدافع المحلل العسكري الأميركي اندرو كريبنيفيتش، وهو من انصار استراتيجية اجتياح القوات الأميركية والعراقية المناطق المضطربة لاخماد العنف، عن زيادة المستشارين الأميركيين داخل الوحدات العراقية الى ثلاثة امثال ما هي عليه لتحسينها. وقال:"نحتاج إلى زيادة عدد المستشارين الأميركيين بشكل كبير. هؤلاء لن يعززوا تلك الوحدات فحسب، بل سيكونون ايضاً مصدراً ثميناً لمعلومات الاستخبارات عن الوحدات التي تعاني من الفساد وعدم الكفاءة والطائفية. وكلما زادت قدرات تلك الوحدات كلما اقترب الوقت الذي نستطيع فيه الرحيل". ولكن حاييم كوفمان، وهو أكاديمي في جامعة لي، كتب ايضاً في مجلة"فورين افيرز"انه يعتقد بأن العراق"يتجه صوب الانقسام، وان الجهود الرامية الى بناء جيش موحد لن تستطيع وقف ذلك". وقال إن"محاولة انشاء قوة أمنية عراقية حقيقية لن تنجح، لأنه لا توجد حركة سياسية قوية وشرعية موالية للعراق، ولن يتسنى اقناع معظم أفراد قوات الأمن بالارتباط بمثل هذه القوة اذا وجدت".