تامر فتحي شاعر مصري من مواليد 1980، ديوانه الأول عنوانه"بالأمس فقدت زرا - قصة الملابس"وصدر أخيراً عن دار شرقيات في القاهرة. يتكون الديوان من خمسة أجزاء هي: عندما تكون الملابس في المتجر، عندما كانت المل ابس صغيرة، عندما تمارس الملابس حياتها اليومية، عندما تموت الملابس. وكان كتبها بين عامي 2003 و2004. يضع الشاعر فصوله بين"تصدير"ينقله عن شكسبير"تحت طيات ثيابك قصة لاتنتهي"وپ"شكر"يخص به - ضمن من يخص - فترة عمل دامت أكثر من عام في محل الملابس ذكرته خلالها فكرة العمل بما كتبه طه حسين في مقدمته لكتاب"أحاديث الأربعاء":"ليست هذه الصحف التى أقدمها إليك سفراً ولا كتاباً، كما أتصور السفر والكتاب، فأنا لم أتصور فصوله جملة، ولم أرسم لها خطة معينة ولا برنامجاً واضحاً قبل أن أبدأ في كتابتها وانما هي مباحث متفرقة كتبت في ظروف مختلفة. فلست تجد فيها هذه الفكرة القوية الواضحة المتحدة التي يصدر عنها المؤلفون حين يؤلفون كتبهم وأسفارهم". تامر فتحي يفعل إذاً في ديوانه ما يحقق فكرة طه حسين عن الكتاب. فالديوان يصدر عن فكرة واحدة، والديوان كله مكتوب في ظروف واحدة - خلال السنة التي عمل فيها الشاعر في محل الملابس ? وحتى القصائد الخمس التي يتكون منها الديوان ليست إلا فصولاً متعاقبة في قصة واحدة هي قصة الملابس منذ البداية وحتى الختام، أو منذ الميلاد فالحياة وصولاً إلى الموت. يضعنا الديوان أمام شعر ينشأ من مراقبة حياة الأشياء من حولنا، والمهم في هذه التجربة، واللافت حقاً، أن تفاصيل الحياة اليومية - التي أصبحت ديدن شعراء ما بعد السبعينات - وتكاثرت كالفطر في العقود الثلاثة الأخيرة، تجد لها عند تامر فتحي مفهوماً مغايراً لما يلوكه شعراء هذه القصيدة من نتف من سيرهم الذاتية، نتف لا تتجاوز المقهى والشارع والغرفة والجنس في تجربة مشتركة تكرر نفسها باختلافات غير ذات أهمية، وهو ما يدركه تامر فتحي إذ يقول:"هؤلاء الذين يشاهدون دهشتها عندما تمشي في الشارع لأول مرة/ تتهجى الأسماء/ وتشم الروائح/ وتلمس ملابس الآخرين... هؤلاء الذين يسمعون شهقتها عندما تفاجئها بقعة الطعام أو القهوة أو الحبر لأول مرة/ هؤلاء ليسوا بكثر". هنا يقدم الشاعر مذاقاً آخر للكتابة عن الحياة اليومية، مذاقاً تجعله الندرة والرؤية المختلفة قادراً على إثارة الدهشة - حتى مما نعرفه - إذ يخرج معلوماتنا من التواطؤ البارد إلى وهج نرى الأشياء معه كائنات حية تستحق التعاطف:"الملابس التي فقدت زرا/ أو تشوهت أقمشتها/ لها حزنها الخاص/ عزلتها/ استسلامها الكامل بأن تتحول إلى المخزن / أو إلى الأسواق الخلفية من قصيدة"ديفو". الملمح الثاني الذي يخالف به الشاعر الشائع من قصائد الحياة اليومية هو تلك المسافة التي يصنعها بين الذات والموضوع، المسافة التي تحرره من هوس الذات ونرجسيتها الطاغية، إذ يقدم نفسه كضمير غائب، كموضوع للنظر الملابس فيما يبقى صوته حاضراً كوعي راء يمكنه التعليق. تقول الملابس:"ذات صباح/ استيقظت على وجود مزق تحت الإبط". بينما يقول الراوي:"عندما تشتهي الملابس الموت/ تبدو غير مهندمة أو ذات أكمام قصيرة/ تغافل سطوة مشبك الغسيل/ لتلقي بنفسها من أعلى الشرفة" دورات من التماهي والانفصال تصنع هذا الحوار بين الذات كموضوع والذات كوعي مراقب يصل أحياناً إلى حد الاشتباك:"للإبر وخزها وهي تودعني الحياة/ والتفاصيل الصغيرة/ ومخيلة من الكرتون". في ما بعد ستقرأ هذه المخيلة ماركيز، لوركا، سعدي يوسف، صنع الله إبراهيم... يدخل الديوان إلى الشعرية مفردات لم تكن فيها من قبل مثل: الشماعات، الفاترينة، الديفو، تعليمات الغسيل، ماكينات الخياطة، مواد التبييض، رغوة المسحوق، مشبك الغسيل، لسعة المكواة... الديوان بحركاته الخمس يقدم أمثلة تراجيدية عن حياة المهمشين. فمن خلال دورات التماهي والانفصال عبر الديوان بين الذات والموضوع، أو الرائي والمرئي يمكن القارئ أن يجاور بين الضمير الخاص بالملابس والضمير الخاص بالإنسان المهمش. الديوان محاولة للخروج من صفوف الجوقة للعب دور"سولو"، محاولة واعدة لشاب فى مقتبل الشعر.