ساحات المحاكم المصرية عامرة بكل أشكال القضايا وألوانها، الغريب منها والطريف، والبشع والمثير للبحث والتحليل. ولعل أغرب ما تشهده المحاكم من قضايا يعتمد على كذبة كان يفترض فيها أنها"بيضاء"أو كذبة صغيرة لكنها تحولت بقدرة قادر إلى واقعة سوداء. جولة سريعة بين أخبار عدد من المحاكم المصرية خلال الأعوام القليلة الماضية تشير الى أن قضايا كثيرة تعرف طريقها إلى القضاء، من أسبابها تمسك المرأة بحبال الجمال الزائل أو الشباب المنتهي أو حتى حلم الأنوثة في حال غيابه. الجميلة الصلعاء فقبل نحو عامين، التقى أستاذ جامعي شاب بفتاة بهرته بجمالها، وتوطدت بينهما العلاقة حتى أصبحت قصة حب حقيقية بعدما اقتنع كل منهما بالآخر تماماً. وهما متقاربان ثقافياً واجتماعياً، فضلاً عن الحب الذي كان مشتعلاً في قلبيهما. ولم يتبق أمامهما سوى تكليله بالزواج. وهذا ما حدث بعد مساهمتها في تأسيس بيت الزوجية. وحانت ليلة الزفاف، فأقيمت حفلة كبيرة في بيت العروس حضرتها جموع الأهل والأصدقاء. وحسد الجميع العريس على عروسه ذات الجمال الباهر وشعرها الأسود الأملس المنسدل حتى خصرها. وانتهت الحفلة وآوى العروسان إلى غرفتهما والسعادة تغمرهما، وبعدما استغرقت العروس في نوم عميق التفت إليها عريسها يتأمل هذا الجمال النائم إلى جواره، وتقلبت العروس في نومها، وهنا انتفض العريس مذعوراً بعدما تفاجأ بانفصال شعرها الأسود الفاحم عن رأسها، مكتشفاً أنها صلعاء. وما كان منه إلا أن توجه إلى قسم شرطة حلوان، وتقدّم ببلاغ طالب فيه باثبات صلع زوجته للاحتفاظ بحقه امام المحكمة، حتى يفسخ عقد الزواج من دون إلزامه بدفع مستحقات بسبب غش زوجته. والمرجّح أن تكون الزوجة الشابة أخفت صلعها عن عريسها لأنها تعلم أنه لو عرف الحقيقة سينهي علاقته بها حتماً، وهي خطوة أكدها رد فعله ليلة زواجهما. ... أكبر ب 10 سنوات وإذا كانت الحياة الزوجية الجميلة الصلعاء لم تستمر أكثر من بضع ساعات، كانت زوجة أخرى، أرملة هذه المرة، أكثر حظاً بأن استمر زواجها ثلاث سنوات قبل أن تنكشف كذبتها"البيضاء". فقد التقت الأرملة الحسناء رجلاً رأت فيه زوجاً نموذجياً للفئة العمرية التي تنتمي إليها، مع انه يصغرها بعقد كامل. وعلى رغم أن شكلها يعطي انطباعاً بأنها أصغر من سنّها الحقيقية، خافت أن"تغامر"بالعريس المناسب، ف"ألغت"عشر سنوات كاملة من عمرها أثناء توقيع عقد الزواج، وبدلاً من تقييد عمرها الحقيقي 65 عاماً،"رجعت"إلى ال 55. وبالمصادفة، اكتشف الزوج هذا النوع من"التخفيضات"، بعد مرور ثلاث سنوات، فلجأ إلى القضاء الذي حرم الزوجة من نفقة المتعة،"لأنها أخفت عمرها الحقيقي عن زوجها". وقضت محكمة استئناف القاهرة للأحوال الشخصية بحرمانها من نفقة المتعة على أساس أن طلاق الزوج لها غيابياً كان لأسباب ترجع اليها، فضلاً عن أن الزوج أثبت أن زوجته أخفت عنه عمرها الحقيقي، ما دفعه إلى تطليقها. العروس... عريساً وعلى رغم قسوة الحالتين السابقتين وإمكان إيجاد بعض العذر للزوجتين باللجوء إلى الكذب"الأبيض"، تبدو الحالة التالية أكثر غرابة. وقد قابلتها الأوساط الشعبية بكثير من السخرية تارة والسخط طوراً. ولم يجد أحد أمراً واحداً يبرر للزوجة فعلتها. فقد تعرف عامل مصري شاب الى فتاة بالمصادفة. وتطورت علاقتهما إلى حب. ولأن الفتاة كانت ترتدي النقاب، لم يتمكن الشاب من رؤية الأجزاء من وجهها. ثم أعلنا خطوبتهما التي استمرت ثلاثة أعوام، راح الشاب خلالها يعمل على توفير قيمة الشقة ولوازمها، حتى نجح في مسعاه. وفي ليلة الزفاف، وأثناء إبرام المأذون عقد الزواج، اقتربت إحدى السيدات من العريس وباحت له بأن عروسه في الحقيقة رجل مكتمل الذكورة. فواجه العريس عروسه التي الذي لم تنكر الأمر، ولكنه لكنها أفصح بأنه يميل إلى الأنوثة وأنه حاول غير مرة الخضوع لجراحة لتغيير جنسه، لكنه فشل بسبب صعوبة الإجراءات، من جهة، وكلفتها الغالية، من جهة أخرى. وبكى"العروس"بحرقة، إذ اكتشف أمره، ولأنه، على ما أكد للمدعوين، يحب عريسه"حباً جنونياً". العريس، بدوره، بكى أيضاً بحرقة، ولكن لأن"العروس"استطاع أن يحصل على توقيعه على قائمة منقولات بقيمة 20 ألف جنيه مصري، كان العريس دفعها كاملاً. وإثر الفضيحة والبوح والإقرار انتقل العرس والمدعوون والعروسان، بالطبع، إلى قسم الشرطة وتقدم العريس ببلاغ أدلى فيه بأنه ارتبط بفتاة تدعى"منى"واكتشف يوم الزفاف أنها رجل. فأمرت النيابة بحبس"العروس"بتهمة النصب والاحتيال. وعلى رغم بعض التعاطف الذي يبديه تجاه من يلجأ إلى الكذب"الأبيض"، يؤكّد واقع الحال ودفاتر المحاكم أن الكذب بجميع ألوانه ليست له أرجل.