تعتبر سوق العرصة، الواقعة في منطقة الشويهين التراثية بإمارة الشارقة، أقدم الأسواق الشعبية في دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ يعود وجودها إلى أكثر من 150 سنة مضت. و"العرصة"هي الأرض الفضاء بين البيوت، وسميت السوق بهذا الاسم لوقوعها بين بيت عبيد بن عيسى النابودة متحف الشارقة للتراث حالياً ومجلس إبراهيم المدفع. وبحكم قربها من مرفأ السفن والقوارب المحملة بالبضائع، اشتهرت تلك المنطقة - منذ عشرات السنين - بكونها سوقاً للبيع بالجملة والمفرق والمقايضات بين التجار وركاب السفن. ومع تسارع الحياة وطغيان العمارات الشاهقة تغيرت ملامح تلك المنطقة كثيراً من دون أن تنال منها آلات الحفر والبناء، خصوصاً في ظل الحرص الشديد من قبل المسؤولين على أهمية الأماكن التراثية القديمة، والسعي الحثيث نحو المحافظة عليها. فكانت سوق العرصة من المواقع التراثية المهمة التي اعطيت العناية بها عبر إعادة إعمارها وترميمها، وقد أعيد افتتاحها بحلة جديدة في السادس من تشرين الثاني نوفمبر 1995. نظرة من الداخل تحتوي سوق العرصة على عشرات المحلات المتفاوتة الأحجام والمتنوعة المعروضات، وتتوافر فيها السلع الكثيرة مثل التحف النحاسية والفضية والخشبية، والمصوغات والمجوهرات التقليدية، واللؤلؤ، والعملات والطوابع القديمة، والألبسة، والأعشاب الطبية، والألعاب الشعبية، ونماذج السفن، والتمور، وكذلك الصور القديمة إضافة إلى مقهى شعبي يقدم المأكولات الإماراتية الشعبية والحلويات الشهيرة والشاي والقهوة العربية الأصيلة. ولسوق العرصة أربع بوابات تغلق في المساء لتأمين الحماية اللازمة للمحلات، وقد بُنيت حول إحدى هذه البوابات مجموعة من الدكاكين امتدت في ما بعد لتكّون خطاً مستقيماً يشوبه التعرج وتتخللّه الأزقة، وقد شكلت في مجملها سوقاً آخر اصطلح على تسميتها أيضاً"سوق العرصة"أو"السوق القديمة"، وهي تحتوي على محلات أخرى متعددة. وبحكم إشرافها على سوق العرصة، تنظم إدارة التراث بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة أنشطة موسمية لإحياء السوق وزيادة إقبال الزوار والسياح على هذه المنطقة، ومن ذلك إقامة معارض ترويجية وفعاليات ثقافية في الساحة المجاورة للسوق، والتي يحيط بها كثير من المتاحف والمباني التاريخية والتراثية، ما يجعلها محط اهتمام المواطنين والمقيمين في الدولة، والأفواج السياحية القادمة للإطلاع على شيء من تراث هذا البلد الجميل. المقهى الشعبي لا بد لكل من يزور سوق العرصة أن يتوقف قليلاً في المقهى الشعبي الذي يتوسطه، إن لم يكن للاستراحة وشرب كأس من الشاي أو احتساء القليل من القهوة، فعلى الأقل للحصول على زجاجة من الماء البارد الذي يروي الظمأ. والمقهى الذي كان يحمل اسم"مقهى مرتضى عباس"يعود بالذاكرة عشرات السنين إلى الوراء، عندما كان شباب الشارقة وشيبها يواظبون على الحضور إليه، لتبادل أطراف الحديث مع التجار والسياح القادمين إلى الشارقة عبر البحار، أو لمناقشة أمور الحياة المختلفة. واليوم، لم يتغير سوى اسم المقهى فقط، إذ أصبح يعرف ب"مقهى العرصة الشعبي"، وبقي كل ما فيه يرفض التكنولوجيا والحداثة ويبقي على كل ما لم نتعود رؤيته. ومع أن المقهى يتواجد في سوق تعتبر المقصد الأول للسياح القادمين إلى الشارقة، فإن اللافت للإنتباه أن أسعاره مشابهة لما يباع خارجه، بل وأقل منها. ولعل ذلك يشكل محاولة من إدارة المقهى لجذب الناس إلى تراث الآباء والأجداد. الذين تتعايش معهم بمجرد جلوسك في المقهى، فاللهجة الإماراتية المحلية تطغى على كل اللهجات واللغات، والكندورة والغترة والعقال تضيف الكثير لجمال المكان وعراقته. ولا ريب في أنك ستشعر بمتعة كبيرة وأنت تستمع إلى القصص والبطولات التي تروى أو تشارك في الأحاديث التي تناقش التاريخ المشرق، والتي تحاط جميعها بثوب من الهدوء والحكمة والبساطة، بعيداً عن ضوضاء التقدم وضبابية الحداثة.