على مدى السنوات الپ18 الماضية، أُجل توقيع الاتفاق الخاص بإقامة منطقة تجارية حرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي مرات عدة، كان آخرها في كانون الثاني يناير الماضي. ويبدو الآن أن آخر عقبة أمام توقيع هذا الاتفاق أُزيلت، بعد موافقة الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي على إلغاء الرسوم الجمركية المفروضة على وارداته من الألومنيوم الخليجي والمقدرة بستة في المئة. لكن ما هي انعكاسات هذا القرار على صناعة الألومنيوم الخليجية في شكل خاص، وعلى العلاقات التجارية والاقتصادية بين الطرفين الخليجي والأوروبي في شكل عام؟ كان الأوروبيون يصرون قبل عام 2003 على ضرورة وجود تعرفة جمركية خليجية موحدة حتى يتم الاتفاق على إقامة منطقة للتجارة الحرة بين الطرفين الأوروبي والخليجي. وهذا ما تحقق بالفعل في كانون الثاني 2003، في حين تمسك الطرف الخليجي بضرورة إلغاء التعرفة الجمركية على صادراته من منتجات الألومنيوم والبتروكيماويات، إذ تشكل هذه المنتجات معظم الصادرات الخليجية غير النفطية. وتبلغ مساهمة قطاع الألومنيوم بين ستة وسبعة في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي لكل من البحرينودبي، وهي نسبة كبيرة لقطاع صناعي بمفرده، علماً أن مصانع جديدة ستبدأ الإنتاج في غضون السنتين المقبلتين، الأول في أبو ظبي بكلفة إجمالية تبلغ ستة بلايين دولار والآخر في صحار في عُمان. وتصل الطاقة الإنتاجية السنوية لمصنعي دبيوالبحرين الى 1.5 مليون طن سنوياً، وإذا أُضيفت إليها الطاقة الإنتاجية لمصنعي أبو ظبي وصحار، والطاقة الإنتاجية الإضافية المفترضة لمصنعي"ألبا"وپ"دوبال"في البحرين والإمارات على التوالي، تصل الطاقة الإنتاجية لمصانع الألومنيوم الخليجية الى 2.3 مليون طن، وهي مرشحة للارتفاع إلى أربعة ملايين طن في عام 2010، ما يشكل نسبة كبيرة من إجمالي الإنتاج العالمي من الألمنيوم. وتواجه الصادرات الخليجية إلى الأسواق الأوروبية حالياً منافسة حادة وغير عادلة من قبل الواردات الأوروبية من الألومنيوم المنتج في بلدان أوروبا الشرقية والمعفي من الرسوم الجمركية في بلدان الاتحاد الأوروبي. بيد أن أسواق الاتحاد الأوروبي تستوعب كميات كبيرة من الإنتاج العالمي، ما يتيح منافذ تصديرية مهمة لمنتجات الألومنيوم الخليجية ويمنحها قدرات تنافسية كبيرة في هذه الأسواق بعد تطبيق اتفاق منطقة التجارة الحرة، وما يعقب ذلك من إزالة الرسوم الجمركية المفروضة على الصادرات الخليجية. ومعروف أن الطاقة تشكل 40 في المئة من الكلفة الإجمالية لإنتاج الألومنيوم الأولي، ما يعني وجود أفضليات إنتاجية للمنتجات الخليجية التي تتوافر لها مصادر الطاقة الرخيصة نسبياً، وهو ما دفع الى الإعلان عن وجود خطط لإقامة مزيد من مصانع الألومنيوم الخليجية في السعودية والكويت وقطر. ويترافق ذلك مع إمكان إغلاق بعض المصانع القديمة نسبياً في الغرب والتي أصبحت أقل تنافسية في ظل الارتفاع المستمر في أسعار الطاقة، بما في ذلك الغاز الطبيعي المستخدم أساساً في إنتاج المعدن المذكور. وتشير هذه التطورات بوضوح الى ازدياد أهمية منطقة الخليج كمركز رئيس لصناعة الألومنيوم في العالم، إذ يتوقع أن يتضاعف عدد المصانع وحجم الإنتاج بحلول عام 2015 ليتزامن ذلك مع تحرير الأسواق وانفتاحها، ما يزيل العقبات الجمركية أمام الإنتاج الخليجي. وإذا كانت العقبات الأوروبية أمام منتجات المعدن الخليجية في طريقها إلى الزوال، فماذا في شأن الحواجز الجمركية نفسها والمقدرة بستة في المئة والمفروضة على صادرات دول مجلس التعاون من المنتجات البتروكيماوية إلى الأسواق الأوروبية؟ هذه المسألة لا تقل أهمية عن تلك الخاصة بمنتجات الألومنيوم، بل ربما تفوقها أهمية بحكم حجم الاستثمارات وحجم الإنتاج الخليجي المتنامي من البتروكيماويات. إن دول مجلس التعاون تملك أوراقاً تفاوضية كثيرة وقوية، يمكن استخدامها في تحقيق مكاسب مهمة في مفاوضاتها مع البلدان والمجموعات الاقتصادية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، ما يفتح مجالات كبيرة لتطوير قطاعات اقتصادية عدة، تملك فيها دول المجلس أفضليات إنتاجية لتساهم في تنويع مصادر الدخل القومي وتقليل الاعتماد على الثروة النفطية، وهو هدف استراتيجي تسعى إليه دول مجلس التعاون الخليجي في هذه المرحلة. * كاتب اقتصادي.