أخيرا نجحت شروق في الثانوية وحجزت مقعداً لها في الجامعة. وعلى رغم أن الاختصاص الذي"طلع من نصيبها"ليس المفضل لديها فإنها بدت سعيدة عندما سمعت الخبر. غير أن فرحتها ينتابها قلق متزايد كلما اقترب موعد افتتاح الصفوف مطلع الاسبوع المقبل." أنا سعيدة بفرصة الدارسة الذي ستفتح آفاق المستقبل أمامي من جهة، غير أنني خائفة من الجو الاجتماعي الجديد الذي ينتظرني في جامعة تشرين في مدينة اللاذقية من جهة أخرى"، تقول شروق. ومما يقلق هذه الطالبة القادمة من الجبل عدم اعتيادها أجواء المدينة وخجلها الشديد"وبخاصة من الجنس الأخر"كما تقول وعيناها مسمرتان في الأرض. قلق شروق الذي يروح تارة ويجئ تارة أخرى بدرجات متفاوتة حسب الموضوع الذي تفكر فيه لم يمنعها من التفكير في كيفية تأمين نفقات الدارسة على رغم تواضع هذه النفقات في سورية مقارنة بالبلدان العربية الأخرى. ويزيد الأمر صعوبة تواضع دخل والدها الموظف ووجود أربعة أخوة آخرين"يستنزفون الراتب ويأكلون الأخضر واليابس"على حد قول الوالد."لقد اتفقت مع سمر وإيمان وهما صديقتان لي على استئجار غرفة وتقاسم التكلفة". أما بالنسبة الى الطعام والشراب فيمكن تخفيف مصاريفه عن طريق اصطحاب حواضر البيت من مكدوس وزيتون وأجبان. وفي هذا الإطار بادرت العمات إلى التبرع ببعض لوازم الطبخ الضرورية بينها مقلاة وإبريق شاي وكؤوس وفناجين. أما خالتها فقد قررت إهداءها شرشفين ومنشفتين ووسادة من صنع يديها. ومع تأمين هذه الحاجات لم يبق لها سوى تأمين بطانية وغاز صغير للطبخ وتحضير المتة كونها"طرطوسية"من طرطوس وهي مدينة ساحلية سورية ولا تستطيع النوم من دون هذا المشروب الأميركي اللاتيني الغريب الذي احضره المغتربون السوريون معهم ووطنوه في الساحل السوري وجبل العرب. غير أن المشكلة بالنسبة الى شروق ليست فقط في تأمين مصاريف الدراسة ولوازم المطبخ، بل في الطبخ بحد ذاته."لست ماهرة بالطبخ لأن ذلك بقي من اختصاص أمي التي كانت دائماً تبعدني عن المطبخ وتقول لي:"مسكين الذي سيقع في شباكك لأنه لن يذوق طعم الأطباق الشهية". وينطبق هذا الأمر على سمر وإيمان كونهما بالكاد تعرفان كيف تسلق البطاطا وتقلى البيضة. على رغم ذلك فإن شروق تبدو متفائلة لأنها واثقة من القدرة على تعلم الطبخ بسرعة لاسيما أن والدتها تريد الآن ذلك كونها ستعيش بعيدة منها. كما أن صديقاتها الجدد سيكن مستعدات لمساعدتها وتقديم النصائح لها. أما التفاؤل الأهم بالنسبة الى شروق فهو الدراسة والعمل. فمن خلالهما"آمل باكتساب خبرات ومعارف تساعدني على بناء مستقبلي ومساعدة نفسي وأهلي وعائلتي". وعلى ضوء ذلك تبدو متشوقة لبدء العام الدراسي الجامعي بغض النظر عن القلق والمخاوف القائمة. أما بالنسبة الى العمل فهي تخطط للبدء به في أسرع وقت ممكن."بعد أن أتعرف إلى جو الجامعة سأبحث عن عمل يساعدني على تحمل النفقات الدراسية". وعلى غير العادة فإنها تبدو مستعدة للقيام بأعمال ينظر الكثيرون إليها نظرة دونية كأعمال التنظيف في المنازل والمكاتب."المهم أن أجد عملا يساعدني على تحمل مصاريف الدراسة وتخفيف وطأتها عن والدي الذي يقوم بعملين لتأمين حاجاتنا الضرورية".