يتحول موعد صدور نتائج امتحانات الثانوية العامة البكالوريا والإعلان عن المفاضلة العامة في سورية الى ما يشبه الطقس السنوي المعروف بشد الأعصاب والتوتر. عشرات آلاف الطلاب وذووهم غاضبون من رفع معدلات القبول الجامعي ووصول الفروع المرغوبة الى مستويات يبدو من المستحيل على معظم الطلاب ملامستها. في الإعلان الأولي للدرجات المطلوبة للمفاضلة العامة التي تتيح للطلبة التنافس على دخول الكلية المطلوبة، حددت علامات الطب البشري ب229 درجة من اصل 240، والأسنان والصيدلة والمعلوماتية 225 درجة، ثم الهندسات الأخرى ما بين 210 و220 درجة. وتزداد كل واحدة من تلك المعدلات ما بين 5 الى 9 درجات في النتائج الأخيرة للمفاضلة ملامسة الى درجة كبيرة الدرجة الكاملة بعد طي علامة التربية الدينية. من الناحية النظرية يفترض ان يعكس الإقبال على تلك الكليات رغبة الطلاب وهواياتهم بدراسة الفرع الذي يميلون إليه خلال مراحل دراستهم المختلفة، لكن واقع الأمر يختلف تماماً مع ما يُجرى. ومنذ اكثر من عقدين تقريباً في ظل الازدياد الهائل لعدد الطلاب الذين يرتادون الجامعات سنوياً، وندرة فرص العمل لجميع الفروع باستثناء خريجي الطب والصيدلة في البكالوريا العلمي ولخريجي التربية معلم صف والأدب الإنكليزي في البكالوريا الأدبي. "الطلبة الذين حصلوا على اقل من 225 درجة اي 94 في المئة من المعدل مطالبون بالإعادة او التوجه الى احدى الجامعات الخاصة التي انشئت بدءاً من العام الماضي او حتى الدراسة خارج البلد لفرعي الطب او الصيدلة كي يجدوا فرصة العمل اللائقة"، يقول والد هديل الطالبة التي حصلت على 225 درجة في الفرع العلمي. ويضيف المهندس زيد المصدوم عن مستوى المعدلات المرتفع جداً: "في الأعوام الماضية كانت الدولة ملتزمة بتعيين خريجي كليات الهندسة بفروعها كلها، وكان الأمر معقولاً نوعاً ما اذ تستوعب تلك الكليات آلاف الطلاب سنوياً على مستوى الجامعات الرسمية الأربع، وكان يمكن لهؤلاء الاطمئنان بعد 5 سنوات من الدراسة لجهة فرصة العمل، لكن ومنذ العام الماضي اصبح الأمر مختلفاً تماماً بعد إلغاء الالتزام". هديل 18 عاماً التي كانت تحلم بدراسة الصيدلة تُعِدُّ نفسها منذ الآن لإعادة البكالوريا، وتضيف الفتاة التي نالت الدرجة الأعلى على مستوى ثانويتها: "لست متأكدة من انني استطيع ان ابذل جهداً يفوق ما بذلته العام الماضي، لكن لا بديل لي من الصيدلة، وإلا فإنني مضطرة لدراسة اي فرع يختاره لي الحاسوب!". المثال السابق يبدو أنموذجاً لمئات وربما آلاف الطلاب الذين لا يجدون بداً من الإعادة بحيث بات عدد الطلاب المعيدين للبكالوريا في الثانويات الخاصة في دمشق يوازي، إن لم يفق، عدد الطلاب الجدد!. ويقول احمد الذي نال في البكالوريا 232 درجة، إنه اضطر للإعادة بعدما نال العام الماضي درجات ادخلته الهندسة المعمارية، آملاً بأن يستطيع دخول كلية الطب البشري هذا العام ليس بسبب حلمه دراسة الطب "وإنما لكونه الفرع الأكثر احتراماً في مجتمعنا من جهة ولإتاحته للخريجين مستوى رفيعاً من العمل لا يتيحه اي فرع آخر!". لكن الحصول على المعدل العالي بعد عامين يقضيها الطالب في البكالوريا ليس مضموناً على الدوام، بل على العكس، تبدو نتائج التجربة الأولى افضل احياناً من الثانية كما حصل مع سامي الذي لم يتمكن في العام الحالي من تحصيل الدرجة التي حصّلها العام الماضي. ويشير الى انه مضطر والحال هذه لدراسة الاقتصاد، الفرع الذي سجّله العام الماضي. ويضيف الشاب الذي بدا متأثراً: "انتمي الى عائلة فقيرة لا تتحمل إمكاناتها تعليمي ومن ثم الانتظار كي اجد فرصة عمل تبدو مستحيلة في ظل اصطفاف الآلاف من خريجي الاقتصاد قبلي أمام مكاتب العمل وفي الشركات الخاصة". ويقول سامي الذي يبحث منذ الآن عن اي عمل يساعده على إكمال مشواره التعليمي: "لست متأكداً من انني سأواصل الدراسة في حال عدم حصولي على عمل يوفر لي نفقات اقامتي في دمشق ومصاريف الدراسة". والحال المادي الذي يرسمه سامي يبدو مشابهاً لحال كثير من الطلاب وإن بدرجات متفاوتة. وترى آمال التي حصلت على 210 درجات في البكالوريا العلمي، أنها لا تستطيع اعادة البكالوريا مرة اخرى، والأمر لا علاقة له بقدرتها على تحسين مجموعها بل بعائلتها التي تتحمل عبء تعليم اربعة من اخوتها في مراحل التعليم المختلفة. وتضيف الطالبة المقتنعة بمجموعها: "كنت أرغب بدراسة طب الأسنان لكن يبدو الأمر مستحيلاً الآن بالنسبة الى مجموع درجاتي، لذلك قررت التحول الى دراسة التربية معلم صف وهو اختصاص للفرع الأدبي اصلاً لكنه يضمن لي في النهاية مهنة التدريس". وتقدم منى أنموذجاً آخر، فالطالبة التي تحولت من البكالوريا العلمي الى الأدبي تشير الى انها مرتاحة تماماً لخطوتها التي رفضها اهلها في البدء، مشيرة الى ان الطالب لا يجب ان يدرس الفرع العلمي إذا لم يكن متأكداً من انه سيحصل على درجات تزيد على 215 درجة، وإلا فالأدبي أضمن. وتضيف منى التي حصلت على 188 درجة في البكالوريا الأدبي انها ستدرس الأدب الإنكليزي كونه الأنسب لها وفي الوقت نفسه يتيح مجالات عمل كبيرة. ويخالف طلاب آخرون ربط دراسة الفرع الذي يريدونه بتأمين الوظيفة الحكومية، ويؤكد بسام الذي حصل على 223 درجة في البكالوريا العلمي انه يريد دراسة الهندسة المدنية بصرف النظر عن عدم التزام الدولة تشغيل خريجيها، ويضيف الشاب الذي لن يعيد البكالوريا اذا تحققت رغبته، ان من المبكر الحديث عن فرصة العمل منذ الآن، مشيراً الى ان "الحياة تتطور باستمرار وهناك فرص كبيرة في المكاتب الخاصة والمشاريع وحتى العمل مع شركات اجنبية". والحال نفسها تعيشها سمر التي تود دراسة الإعلام مع ان أهلها ضغطوا عليها للدراسة في كلية ملتزمة بتشغيل خريجيها. وتقول: "حصلت على 180 درجة في الأدبي، وأريد دراسة الإعلام لأنني احلم ان اكون صحافية على رغم صعوبة هذا العمل في بلادنا". وتضيف الفتاة التي سجلت هذه الرغبة بالفعل في المفاضلة: "اهلي يريدون ان ادرس في كلية التربية كي اصبح معلمة بعد تخرجي فوراً، فضلاً عن العمل السهل للمعلمة كما يتخيلون، لكنني اؤمن بأن فرصة العمل لا تأتي إلينا بسهولة بل يجب ان نكافح للوصول إليها".