هل بدأ تلفزيون"الحقيقة"أو"الواقع"يتعرض للاخفاقات والانتكاسات بعد هذه الجماهيرية الواسعة؟ وهل مستقبله مهدد بالانهيار والفشل؟ تلك التساؤلات وغيرها بدأت تظهر على الساحة الاعلامية بعد بروز ردود فعل قوية حول ماهية تلفزيون الواقع، وأهمية هذه التساؤلات تكمن في انها صدرت من بعض صناع برامج تلفزيون الواقع انفسهم ومن باحثين واعلاميين يعملون في الاعلام المرئي امثال: كريستوفر دنكلي صحافي ومذيع وناقد تلفزيوني في صحيفة فايننشال تايمز وفكتوريا موبليبك كاتبة ومخرجة تلفزيونية، وتدور هذه الردود حول موضوعات عدة، فمن جهة يشير المدافعون عن نوع كهذا من البرامج الى ان طابعه الجماهيري الديموقراطي يتيح لهؤلاء المهمشين فرصة جديدة وغير مسبوقة للظهور على شاشة التلفزيون كأبطال ونجوم، ومن جهة اخرى ينظر اليه على أنه يقدم خليطاً من التفاهة والاباحية. ويذهب كريستوفر دنكلي الى ابعد من ذلك ويصفه بتلفزيون"الاذلال والمهانة"والسبب في رأيه هو"تعمده البذاءة ودفع الشرائح الواسعة من الجمهور الى الغثيان. ذلك ان صناع تلفزيون الواقع يتدخلون علانية من البداية وحتى النهاية ويحددون كل شيء في شكل ملائم لغاياتهم كما هو الحال في عروض هزلية والعاب ومسابقات". وتسأل فكتوريا موبليبك هل عندما تقدم الكاميرا مستويات عدة من الحياة الواقعية هو الواقع أم هو شكل من اشكال الفضائح وهل الشخصيات المشاركة هم شهداء أم نجوم جدد؟ ثم تجيب:"في تلفزيون الواقع الآن يتلصص المشاهدون على الموت ومناظر بتر الاعضاء وهو بذلك يغطي الكثير من الاخطاء ويخلق بيئة مصطنعة واضحة ثم يضع فيها الشخصيات ويسجل النتائج". لقد شاع ان التلفزيون مع الفضاء المفتوح قد جعل العالم قرية صغيرة وهناك من يعد ذلك امتيازاً للانسان وإثراء لعالمه، وهناك من يرونه إفقاراً لعالمه وتعاسة، لأن التلفزيون في نظرهم يكرس صوراً وسلوكيات نمطية على الواقع ويخلق حالة من التزييف للوعي عند الناس في شكل سطحي ولا يحاول الارتقاء بالذوق العام الى درجة دفع برنار كلارك أحد المشاركين في كتاب"تلفزيون الحقيقة"الذي ترجمه الدكتور اديب خضور ويقدم آراء ومواقف حول تلفزيون الواقع الى القول انه"لم يعد واقعياً أو حقيقياً اكثر من وجبة همبرغر وربما اقل منها قيمة غذائية وليس ثمة أي شيء يدعى تلفزيون الواقع". ويشير كلارك الى ان"المسلسلات الترفيهية والوثائقية الهجينة الملائمة للسوق الواسعة والمتنكرة تحت قناع شرائح من الحياة الواقعية تبين انها مخادعة ومضللة اكثر من انتاج وقائعي". وبعد كل هذا هل يمكن ان ينهار تلفزيون الواقع ويفقد بريقه؟ وهل يشهد تراجعاً في شعبيته؟ على رغم كل الانتقادات التي قالت انه ليس سوى مجرد بدعة عابرة في مسار الترفيه وعبارة عن ومضة أو كما سماه بعضهم بصندوق الخدع أو الاذلال أو كوجبة مستهلكة، البث اليومي والمباشر لتلفزيون الواقع يدل على ان هذا النوع بات يشكل سمة لمعظم الفضائيات والشغل الشاغل لملايين المشاهدين بخاصة مع تدفق سريع لأنواع جديدة من برامج الواقع ولعل آخرها كان عرض افلام جنسية وحميمية تتناول الحياة الخاصة للنجوم من دون ان يؤثر هذا الامر في مستقبلهم المهني بل يصبحون اكثر شهرة ونجومية بعدما يتعرف المشاهدون على تفاصيل دقيقة من حياتهم الخاصة.