كانت الجزر الرئيسية الأربع المتلألئة في صدر مياه المحيط الهندي، مختبئة في مضيق موزامبيق بين جزيرة مدغشقر والساحل الشرقي للقارة الإفريقية عندما هبط على ساحلها في أوائل القرن السابع الميلادي بعض الرحالة والتجار العرب العائدة أصولهم إلى عدن ومسقط وحضرموت. ولأن القمر كان بدراً يوم اكتشافهم للجزر، فقد أطلقوا عليها جزر القمر، وأخذ الأوروبيون الأسم في ما بعد، فصارت تعرب ب"كوموروس". هذه الجزر البركانية تعرف أيضاً باسم نجا زنجا وعلى ساحلها الجنوبي تقع عاصمة الدولة مروني وجزيرة أينجوان وجزيرة مايوت وجزيرة موهلي كما تضم جزراً أخرى صغيرة المساحة. وقد وجدت جزر القمر لنفسها مكاناً على صدر خريطة العالم الدولية عام 1527 عندما وضعها الرحالة البرتغالي ديوجو ريبير، وذلك خلال حركة الاكتشافات الجغرافية البرتغالية وهم يبحثون عن طريق جديد للتجارة، بهدف الوصول إلى الهند وجزر الهندالشرقية من دون الحاجة إلى المرور من الطريق التجاري القديم، والذي أصبح في ذلك الوقت تحت سيطرة المماليك في مصر. تبلغ المساحة الإجمالية لجمهورية جزر القمر 2,236 كيلومتراً مربعاً فيما لا يتجاوزعدد سكانها أكثر من 700000 نسمة تختلف أجناسهم وأشكالهم باختلاف عروقهم. فالموقع الجغرافي بين أفريقيا وآسيا، والتزاوج والامتزاج عبر القرون، كل ذلك خلف شعباً بقسمات وملامح عربية وافريقية وأسيوية مجتمعة. وحسب التحليل التاريخي لهذه الهجرات، فإن أولى الدفعات السكانية إلى جزر القمر جاءت من جزيرة مدغشقر وماليزيا، ليلحق بهم العرب ومن ثم الأوروبيون. ومن المعروف أن التجار والرحالة المسلمين ساهموا في نشر دعوة دينهم بأخلاقهم وأمانتهم. إلا أن الإسلام احتاج إلى ما يقارب العشرة قرون قبل أن يصبح الدين الرسمي فيها وذلك مع بدايات القرن السادس عشر، حيث تصل نسبة المسلمين فيها اليوم إلى 99.7 في المئة ولتكون اللغة الرسمية العربية والفرنسية، وذلك عندما تمكنت فرنسا في عام 1843 من حكم الجزر حتى عام 1961 عندما منح الفرنسيون السكان الحكم الذاتي تحت الحماية الفرنسية، ولم يتم الاستقلال الكامل قبل عام 1975، لتظهر إلى حيز الوجود ولأول مرة جمهورية جزر القمرالاتحادية وعاصمتها مروني، ولتنضم فور استقلالها إلى الأممالمتحدة، وتكون بذلك آخر دولة عربية تحظى باستقلالها. تكونت مجموعة جزر هذه الجمهورية من تشكيلات من الشعب المرجانية والمرتفعات البركانية البحرية أهمها بركان كارتالا الذي ما زال نشطاً نسبياً ويعتبر الأعلى بين هذه المجموعات الجبلية، حيث يرتفع نحو 2360 متراً عن سطح مياه المحيط الهندي، إلى جانب غابات ممطرة كانت فيما مضى كثيفة جداً وشاسعة، لكن الاستخدام الجائر لها استنزفها ولم يخلف وراءه إلا القليل منها. الطبيعة والبيئة البحرية الخاصة لهذه الجزر المرجانية جعلتها موطناً لأنواع من الأسماك النادرة التي كان يعتقد بأنها قد انقرضت، لذلك فقد يصل سعر السمكة الواحدة من هذه الأسماك الفريدة إلى عشرة آلاف دولار أميركي. وإذا كان أرخبيل القمر يحظى بثروة سمكية لا تقدر، فإن في مدينة درموني على الساحل الشرقي تبدأ حكاية أخرى تبدع سطورها الغابات الكثيفة بشجر القرنفل حيث يقال بأن الشجرة لا تبلغ سن النضج إلا بعد عشرين عاماً حيث تعطي أزهاراً تشكل جزءاً هاماً من صادراتها إلى فرنسا على نحو خاص، لتصنع منها بعض المستحضرات التجميلية، ويستخلص من رحيقها أثمن أنواع العطور، لذلك ليس غريباً أن يطلق البعض على جزر القمر ومياهها لقب أرخبيل العطور. لا يقتصر اقتصاد البلاد على هذه الصادرات بل يعتمد بصفة رئيسية على الزراعة، حيث يقوم السكان بزراعة محاصيل متنوعة كالأرز والموز اضافة إلى جوز الهند والزيوت العطرية المستخرجة من نباتات أشجار اليانج لانج. اليوم ومع ازدياد الوعي السياحي، أدركت الحكومة القمرية أهمية هذه الجزر ومقوماتها الكبيرة البكر التي تستطيع أن تقدمها للسائح من شواطئ ومرتفعات وغابات خضراء ومناخ يتميز باعتداله معظم أيام السنة، إلى جانب شعب ودود مضياف... كل ذلك جعلها قطباً سياحياً مهماً ووضعها في أعلى قائمة السياحة العربية والعالمية. وكل من يزور هذه الجزر يعود بذكريات لا تمحى عن شواطئ رملية بيضاء تبدو في ليالي البدر كعروس جميلة تغتسل بنور القمر.