يعاني العراق من معضلات اقتصادية كثيرة. بعضها يعود الى تركة الماضي، من حروب وحصار دولي وسوء ادارة، وبعضها الآخر نشأ وتفاقم خلال السنوات الثلاث الماضية. ولعل أخطرها يتمثل في الحال المتواصلة للاستنزاف المادي والانساني الذي يكلف البلاد ثمناً باهظاُ للغاية. كما أن تحديات كثيرة تبرز وتشتد وتستدعي مواجهة ايجابية وحلولاً سليمة، ومنها اتساع ظاهرة البطالة والفقر وتدهور الخدمات الأساسية والبنى التحتية، ونقص الموارد المالية والحاجة الى اصلاح اقتصادي عميق وشامل. ويأتي هنا دور الاستثمار بوصفه أحد القنوات الأساسية لمعالجة هذه المهمات الكبيرة. ويمكن بوجه عام تلخيص مزايا الاستثمار الأجنبي المباشر بأمور عدة منها: - المساهمة في معالجة مشكلة البطالة والفقر وذلك بخلق مجالات عمل مقرونة باكتساب مهارات ومؤهلات جديدة من طريق دورات التدريب والتعليم. - اعتماد التكنولوجيا والمبتكرات العلمية الحديثة في مجالات الإنتاج والإدارة الحديثة لرفع إنتاجية العمل والكفاءة الاقتصادية والقدرة التنافسية. - تنمية الصادرات الى الاسواق المجاورة وذلك عبر زيادة الإنتاج وما ينتج من ذلك من توفير للعملة الصعبة، فضلاً عن تنويع الصادرات من الصناعات التحويلية، وبذلك تضمن الدولة المستفيدة من الاستثمار تفادي الأضرار الناجمة عن تأرجح الأسعار في الاسواق الخارجية خصوصاً بالنسبة الى السلع الأساسية التقليدية ومنها النفط الذي يعتمد عليه الاقتصاد العراقي كلياً. - تأهيل وبناء الهياكل الارتكازية والخدمات الأساسية، ما يترك أثراً ايجابياً على الأداء الاقتصادي وتوسيع الطاقة الانتاجية وتأمين حاجات السكان ورفع مستوى المعيشة. إن هذه المزايا الكبيرة، كانت وما زالت سبباً مباشراً وقوياً في احتدام المنافسة الدولية على جلب الاستثمارات الخارجية من ناحية، وحافزاً ضاغطاً على الدول لتوفير ضمانات واعفاءات وتسهيلات للمستثمرين الاجانب من ناحية اخرى. إن العراق، بما يعانيه من ضغوط وتحديات جمة، وما يتعرض له من صعوبات مالية واختناقات اقتصادية، يواجه مهمة جوهرية للإفادة من الاستثمار الأجنبي المباشر بصورة فعالة، ووفق ضوابط وتشريعات تصون المصالح الوطنية. سبق أن عرضنا معضلات وحاجات الاقتصاد العراقي المطلوب وأكدنا على الاهتمام بها من خلال تطوير موارده المالية واعتماد ادارة سليمة لعوائده النفطية وصياغة استراتيجية انمائية مستدامة. اذ لا يكمن تحقيق هذه المهمات بالاعتماد فقط على عوائد الصادرات النفطية لما قد يترتب على ذلك من مخاطر جدية، سواء بغياب الضمانات لاستمرار هذا المورد الحيوي بصورة ثابتة ومستديمة بفعل عوامل كثيرة منها الحالة المضطربة لأسواق النفط العالمية وتأرجح الأسعار، فضلاً عما يتعرض له القطاع النفطي من أخطار جسيمة من أعمال التخريب وانقطاع التصدير والتهريب والفساد. فلا يخفى على أحد حجم العوامل المعاكسة والصعوبات المتكررة التي تكتنف اليوم صناعة النفط العراقية من جراء غياب الأمن والاستقرار وتفاقم الهجمات الإرهابية وأعمال العنف، إضافة الى ضعف الدولة. كما أن استمرار حال الاقتصاد العراقي على هذا النحو كاقتصاد مشوه وغير متوازن وقائم على انتاج سلعة واحدة، أمر شاذ ويثير القلق العميق والخوف على مستقبل البلاد والاجيال القادمة. لذا يتوجب العمل على تنويع الاقتصاد وتوفير موارد دخل جديدة من طريق تطوير القطاعات الإنتاجية الأخرى وزيادة النمو الاقتصادي. والواقع أن دراسات وتقديرات مهمة تؤكد أن العراق في حاجة الى 100 بليون دولار بغية النهوض ببرامج اعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية والخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والتعليم والصحة، فضلاً عن مكافحة الفقر والبطالة واستحداث الأطر والمؤسسات اللازمة لذلك، وهذا يشمل تأهيل وتطوير الطاقة الانتاجية لقطاع النفط سواء في نطاق الحقول المنتجة الحالية أو خلق قدرات اضافية من حقول جديدة. من هنا تتجلى الأهمية الحيوية لصياغة واقرار قانون جديد لتشجيع الاستثمار في العراق، والذي يدور النقاش حوله في ضوء المشروع المطروح من جانب الحكومة أخيراً. فالمشروع المقترح يتضمن مزايا كثيرة من الضمانات والإعفاءات والحوافز الأخرى للمستثمرين الأجانب، ويشمل أيضاً انشاء هيئة وطنية مستقلة نسبياً لترويج الاستثمار ومنح شهادات الترخيص للمشاريع. والمهم في شكل خاص أن مزايا عدة لهذا المشروع لا تختلف عما تكفله قوانين الاستثمار في الدول المجاورة، ما يوفر امكان التنافس والسعي الى كسب المستثمرين العرب والأجانب وتشجيعهم على الإفادة من الفرص المتاحة في العراق. ومع هذا فإن الشرط الحيوي الذي لا غنى عنه للنجاح في هذه المنافسة المحتدمة، هو ترسيخ الأمن والاستقرار واستعادة دور الدولة في ممارسة وظائفها الطبيعية في تعزيز سلطة القانون والنظام، ومحاربة الفساد وتأمين آليات سليمة على الصعد المالية والادارية والقانونية وسواها. بكلمة أخرى خلق بيئة مناسبة ومحفزة للاستثمار على مستوى المؤسسات وإدارة الدولة في شكل صحيح. في هذا السياق تتعزز مناخات توسيع دور القطاع الخاص العراقي، واتاحة إمكانات وفرص جديدة أمامه للدخول بشراكات مع المستثمرين الأجانب وانجاز مشاريع مشتركة كما يظهر من التجارب الناجحة لدول نامية أخرى. * رئيس المركز العراقي للتنمية والحوار الدولي