نجيب محفوظ هو مؤسس الرواية العربية. هناك بالطبع كتّاب عرب آخرون كتبوا روايات على قدر كبير من الأهمية قبل محفوظ في مصر وغيرها من البلدان العربية، لكن محفوظ هو الذي جعل من هذا الجنس الأدبي الوافد علينا من الغرب فناً متكاملاً قائماً بذاته، هو الذي أصّله وأضفى عليه الشرعية وأكسبه حضوراً يليق به في ثقافة تقليدية لم تكن تعترف إلاّ بالشعر. وقيمة نجيب محفوظ لا تتجلّى برأيي فقط في هذا الكم الهائل من الروايات التي كتبها وفي الأساليب الفنية المختلفة التي جرّبها وفي الآفاق التي فتحها وانما أيضاً في أمر آخر اعتبره أساسياً وهو أنه استطاع أن ينحت من اللغة العربية القديمة المثقلة بالبلاغة لغة روائية جديدة. لقد تمكّن بعمله الدؤوب المتواصل من أن يروّض اللغة العربية وأن يطوّعها لكي تستطيع أن تقول أشياء الحياة اليومية في تفاصيلها الصغيرة. وعلى رغم أن لغته تبدو لنا اليوم كلاسيكية فإنه فتح الطريق أمام الروائي العربي للوصول الى لغة قادرة على أن تسمّي العالم وأمكنته وفضاءاته وأن تقبض على الزمن في لحظاته الطازجة. وهذا أساسي جداً في كل عمل روائي. لم أقرأ كل روايات نجيب محفوظ وانما الكثير منها. وهو الى جانب الطيب صالح من أوائل الروائيين العرب الذين أحببتهم وتأثرت بهم في مرحلة التكوين. إلا أنني كنت ولا أزال أفضّل رواياته القصيرة.